تأديب الزوجة أو الأطفال لا ضمان فيه إن كان بلا إسراف

يقول: [وإن أدب امرأته لنشوز] .

المرأة إذا نشزت جاز لزوجها ضربها؛ لقوله تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34] .

فأولاً: يعظها، وثانياً: يهجرها في المضاجع، وثالثاً: يضربها ضرباً غير مبرح، فلو قدر أنه ضربها وذلك الضرب نتج عنه موت، أو نتج عنه تعطل عضو من الأعضاء فلا ضمان عليه؛ لأنه ضرب مأذون فيه، ويقول: أنا ما ضربتها إلا ضرباً معتاداً، وحصل أنها ماتت، أو حصل أن تعيبت يدها، أو ذهب بصرها أو سمعها، أو جرح جلدها أو نحو ذلك، فأنا ضربتها ضرباً مأذوناً فيه غير مبرح، فلا ضمان.

قال: [أو معلم صبيَّه] .

معلم الصبيان العادة أنه مباح له الضرب، ويعلم بذلك آباؤهم، فهم يقولون: أدبهم واضربهم الضرب الذي يرتدعون به.

فقدر أنه صفع أحدهم في خده فذهب سمعه، أو انفجرت الأذن وانشقت الطبلة، فهو مباح له أن يضربه، فلا ضمان عليه، أو أراد ضربه بعصا فانحرف الطفل فوقعت الضربة على عينه فانفقأت لا ضمان على ذلك المعلم؛ لأنه مأذون له فيه، وهذا إذا كان الضرب بلا إسراف ولا شدة.

قال: [أو سلطان رعيته] .

السلطان له أن يؤدب الرعية، فقد يظهر من بعض الرعية شيء من العصيان وشيء من المخالفة وشيء من الأضرار، سواءٌ أكانت تلك الأضرار على نفس السلطان أم على بعض الرعية، فإن هؤلاء يسببون ضعف الأمن واشتداد الخوف ونحو ذلك، فإن ظفر بواحد منهم، وأمر الجلاد فجلده فقال: اجلده وشدد عليه فقدر أنه مات تحت الجلد ففي هذه الحال لا ضمان؛ لأن هذا ضرب مأذون فيه، ويشترط ألا يكون هناك إسراف، وقد فسر المفسرون قول الله تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34] فقالوا: ضرباً غير مبرح.

أي: ليس بشديد، وإنما هو ضرب تأديب لا ضرب قتل.

 

أمر المكلف بأمر هلك به

يقول: [ومن أمر مكلفاً أن ينزل بئراً أو يصعد شجرة فهلك به لم يضمن] .

لأن هذا المكلف عاقل وعارف، وتعاطى هذا الشيء الذي فيه خطر، فإذا أمرته وقلت له: انزل في هذه البئر للحفر أو أخرج منها هذا الدلو الذي سقط فيها، أو هذه الميتة التي سقطت فيها انزل فأخرجها.

ثم إنه ربط نفسه بحبل أو تمسك بحبل لينزل فيها، وقدر أنه تفلت أو انقطع الحبل وسقط فيها ومات لا ضمان على الآمر؛ لأن هذا مختار قد رضي بذلك، فلا ضمان عليه.

وكذلك لو قال: أريد أن تصعد هذه النخلة لصرم التمر منها فصعد باختياره والنخلة طويلة، ولما وصل إلى أعلاها قدر أنه سقط ومات، فهل يضمن صاحب النخلة أو الذي أمره بالصعود؟ لا يضمن؛ لأن هذا هو الذي خاطر بنفسه.

 الموت من ريح طعام ونحوه

يقول: [ولو ماتت حامل أو حملها من ريح طعام أو نحوه ضمنه ربه إن علم ذلك عادة] .

هذا قد يكون قليلاً، كون الحامل تموت بسبب ريح طعام يمكن أن الحمل قد يتأثر ببعض الروائح فيموت في الرحم، فإذا قدر عادة أنه يموت الجنين في الرحم بسبب ريح طعام كريهة، كما لو اشترى شيئاً من اللحوم ولكنها أنتنت، ولما شمها إنسان رجل أو امرأة فمن آثار هذه الرائحة حصل عليه ضرر أو مرض أو موت بسبب الرائحة الشديدة الكريهة، فصاحب هذا الطعام أو صاحب هذا اللحم فرط وتسبب، فيضمنه إذا كان العادة في ذلك أنه يؤثر، فأما إذا كانت العادة أن الروائح ولو كانت كريهة لا تؤثر ولا يحصل على الذي يشمها موت ولا ضرر فإنه لا يكون هناك ضمان.