الدعاء عبادة
16-02-2023
قال الله تبارك وتعالىٰ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر].
قال العلامة عبد الرحمٰن السعدي رحمه الله: «هٰذا من لطفه بعباده، ونعمته العظيمة، حيث دعاهم إلىٰ ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وأمرهم بدعائه، دعاء العبادة، ودعاء المسألة، ووعدهم أن يستجيب لهم، وتوعد من استكبر عنها»([1]).
فسمىٰ الله تعالىٰ الدعاء عبادة ﴿ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾ ، فالواجب أن تكون هٰذه العبادة لله وحده لا شريك له، قال الله تعالىٰ: ﴿وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ ٱللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن]، وقال: ﴿ٱدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف]، وقال: ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلـٰهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ﴾ [الشعراء]، وقال: ﴿وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ﴾ [يونس]، وقال: ﴿ وَلَا تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلـٰهًا آخَرَ﴾ [القصص: 88].
وقد بيّن الله عز وجل حال الذين يدعون غيره، فقال: ﴿قُلِ ٱدْعُوا ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا﴾ [الإسراء]. وقال: ﴿قُلِ ٱدْعُوا ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ ٱللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلَا فِي ٱلْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ﴾ [سبأ].
فنفىٰ ــ سبحانه ــ أن غيره ــ أياً كان ــ يملك مثقال ذرة في السماوات أو في الأرض، ونفىٰ أن يكونوا شركاء له، ثم نفىٰ أن يكونوا ساعدوه وظاهروه.
وقد ضرب الله سبحانه وتعالى مثلاً للذين يدعون غيره، فقال: ﴿لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ [الرعد].
فبيّن أن الذين يدعونهم من دونه لا يستجيبون لهم، ومثل ذلك كمن بسط يديه إلىٰ الماء، يريد أن يبلغ فاه، فلا يبلغه، فكذلك الحال مع الذين يدعون غير الله تعالىٰ، لا ينفعهم دعاؤهم في الدنيا ولا في الآخرة، بل يضرهم، ولذلك سماهم كافرين، فقال: ﴿ وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ أي في غير استقامة وهدىٰ.
وقد ذكر الله تعالىٰ في صفات عباد الرحمٰن أنهم ﴿ لَا يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلـٰهًا آخَرَ﴾ [الفرقان: 68]
وقد أخلص أنبياء الله ورسله الدعاء لله وحده، فهٰذا نوح عليه السلام يقول: ﴿ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ﴾ [هود: 47]، وقال عنه الله عز وجل بعد أن كذبه قومه: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنْتَصِرْ﴾ [القمر]
وهٰذا إبراهيم عليه السلام يقول: ﴿رَبِّ ٱجْعَلْنِي مُقِيمَ ٱلصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾ [إبراهيم]
وأيوب عليه السلام قال الله عنه: ﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ﴾ [الأنبياء: 83]
ولما ابتلع الحوت يونس عليه السلام لجأ إلىٰ ربه عز وجل ﴿وَذَا ٱلنُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلـٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87]
وهٰذا زكريا عليه السلام قال الله عنه وعن زوجه: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: 90]
وهٰذا موسىٰ عليه السلام يلجأ إلىٰ ربه وهو خارج من المدينة خائفاً فيقول: ﴿ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ﴾ [القصص: 24]
ولما قيل للمؤمنين: ﴿ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: 173]
وهكذا حال أولياء الله تعالىٰ، فإنهم يخلصون الدعاء لله تعالىٰ، ويلجؤون إليه وحده لا شريك له، فيستجيب لهم الله سبحانه وتعالى