مِن فوائد الصِّيام
22-02-2023
قال - تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾([1])، فذكر - تعالى - للصَّوم هذه الفائدةَ العظمى، المحتوية على فوائدَ كثيرةٍ، وهي قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾؛ أي: ليكون الصيام وسيلةً لكم إلى حصول التقوى، ولتكونوا بالصيام من المتقين، وذلك أن التقوى اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من فعل المحبوبات لله ورسوله، وترك ما يكرهه اللهُ ورسوله، فالصيامُ هو الطريق الأعظم لحصول هذه الغايةِ الجليلة التي توصل العبدَ إلى السعادة والفلاح، فإن الصائم يتقرَّب إلى الله بترْك ما تشتهيه نفسه من طعام وشراب وتوابعها؛ تقديمًا لمحبة الله على محبة النفس، وكذلك اختصه الله من بين الأعمال، فقال: «الصوم لي، وأنا أجزي به»([2]).
وبالصيام يزداد الإيمان، ويتَمَرَّن العبد على الصبر النفسي، الدافع لاندفاع النفس البهيمية في شهواتها الضارة، وبالصيام يستعين العبدُ على كثيرٍ من العبادات، من صلاة وقراءة، وذكر وصدقة، ويردع النفس عن الوقوع في الأمور المحرَّمة من أقوال وأفعال، وذلك من أصول التقوى.
وبالصيام يعرف العبد نعمةَ الله عليه في إقداره على ما يتمتع به من مأكل ومشرب ومنكح وتوابعها، فبالامتناع منها في وقت وحصول الشقة بذلك، وإباحته في بقية أوقاته، يذوق طعمَ الجوع والظمأ، ويعرف مقدار النعمة، ويحنو على إخوانه المعدمين الذين لا يكادون يجدون القوت دائمًا.
وبالصيام يكون العبد صابرًا على الطاعات، وعن المخالفات، وعلى أقدار الله المؤلمة، بصبره عن المفطِّرات التي يؤلم النفسَ تركُها، ويكون من الشاكرين لله بمعرفة مقدار نعمة الله عليه بالسَّعة والغنى، وبنعمته الكبرى بتوفيقه للصيام؛ فإن نِعَم اللهِ الدينية أكبر من نعمه الدنيوية، وقد أخبر ﷺ أن الصيام أحد مباني الإسلام الخمسة، وأنه يكفِّر الذنوبَ المتقدِّمة كلَّها، وأن الله يحبه ويرضى عن صاحبه ويعطيه أجرًا عظيمًا، وأن من صام رمضان ثم أتبعه بستٍّ من شوال فكأنما صام الدهر، ومَن صام من كل شهر ثلاثةَ أيام فكذلك؛ فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك يعدل صيام الدهر، فضلاً من الله ومنَّة، ومن تيسير الله للصيام وتسهيله أنَّ الله شرعه في وقت واحد وشهر واحد؛ ليتفق المسلمون كلُّهم على صيامه، وتهون المشقَّة باشتراكهم في الصيام، فإن الاشتراك في العبادة له نفع عظيم، ومساعد جسيمة، ولله في العبادات حِكَمٌ وأسرار ولطف كبير.