ورسل الله بشر كسائر البشر تماماً، فليسوا من الملائكة، وإنما هم من البشر كما قال الله تبارك وتعالى على لسان نبيه ﷺ: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ﴾، وقال الله ــ جل وعلا ــ: ﴿وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ ٱلْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا قُلْ لَوْ كَانَ فِي ٱلْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا﴾   وكذا في سورة القمر قال: ﴿فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ﴾  .

وكون الرسل من البشر لا شك أن حكمته ظاهرة جداً؛ حتى يتمكن العباد من الأخذ منهم، والاقتداء بهم، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾   أي: لو جعلنا الرسول مَلَكاً لما كان يمكنهم أصلاً أن يحادثوه أو يكلموه، كيف والنبي ﷺ لما رأى جبريل على صورته الحقيقية صرع صلوات الله وسلامه عليه، وكان لجبريل ستمائة جناح([1]) قد سد في الأفق([2])، فكيف يتحمل الناس رؤية الملائكة، ويجلسون معهم؟! لا يستطيعون أبداً، إذاً ماذا سيكون؟ سيصور الله الملائكة على صورة البشر كما جاء جبريل وسأل النبي ﷺ عن الإسلام والإيمان والإحسان([3])، فإذا جاء المَلَكُ على صورة رجل وقال: أنا مَلَكٌ ولكن على صورة رجل، قالوا: لا، ائتنا بالمَلَكِ، والمَلَكُ لا يأتيهم؛ لأنهم لا يتحملون، إذاً كيف يَقْبَلون؟ لا يمكن أبداً، ولذلك قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾   يعني: ما استفادوا شيئاً من كونه ملكاً([4]).

 

([1])       أخرجه البخاري (3232)، ومسلم (174) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

([2])      أخرجه البخاري (3235)، ومسلم (177) من حديث عائشة ؟ب.

([3])      أخرجه البخاري (50)، ومسلم (9) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأيضاً أخرجه مسلم (8) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

([4])      قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «أي: لو بعثنا إلى البشر رسولاً ملكياً لكان على هيئة رجل؛ لتُفْهَم مخاطبته والانتفاع بالأخذ عنه، ولو كان كذلك لالتبس عليهم الأمر كما يلبسون على أنفسهم في قبول رسالة البشري». «تفسير ابن كثير» (3/241).