قالَ أبو زكرِيَّا يحيى بنُ عَلِيٍّ الخطيبُ التبريزيُّ: أخبرنا أبو مُحَمَّدِ بنِ الحسنِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحسنِ الجوهريِّ قالَ: حدَّثنا أبو عمرَ مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ بنِ زكريَّا بنِ حَيَّوَيْهِ الخزَّازُ قالَ: حدَّثنا أبو بكرٍ مُحَمَّدُ بنُ القاسمِ الأنباريُّ، أَمْلاهُ غُرَّةَ صفرٍ سنةَ سبعٍ وعشرينَ وثلاثِمائةٍ قالَ: حدَّثني أبي قالَ: حدَّثنا عبدُ اللَّهِ بنُ عمرٍو قالَ: حدَّثنا إبراهيمُ بنُ المنذرِ [الحزاميُّ] قالَ: حدَّثنا الحجَّاجُ (بنُ) ذي الرقيبةِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ كعبِ بنِ زهيرِ بنِ أبي سُلْمَى المُزنيُّ، عنْ أبيهِ، عنْ جَدِّهِ: خرجَ كعبٌ وبجيرُ ابْنَا زهيرِ بنِ أبي سلمَى إلى أبرقَ العزَّافِ، فقالَ بُجَيْرٌ لكعبٍ: اثْبُتْ في الغنمِ حتَّى آتِيَ هذا الرجلَ - يعني النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ - فأسمعَ كلامَهُ، وأعْرِفَ ما عندَهُ، فأقامَ كعبٌ، ومضى بجيرٌ، فعرضَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فأسلمَ، واتَّصلَ إسلامُهُ بأخيهِ كعبٍ، فقالَ:

ألا أَبْلِغَا عنِّي بُجَيْراً رسالةً ... فهلْ لكَ فيما قُلْتُ: وَيْحَكَ هلْ لَكَا
سقاكَ بها المأمونُ كَأْساً رَوِيَّةً وأَنْهَلَكَ المأمونُ منها وعلَّكَا

ويُرْوَى:

سقاكَ أبو بكرٍ بكأسٍ روِيَّةٍ ... وأَنْهَلَكَ .............
ففارقتَ أسبابَ الهُدَى وتَبِعْتَهُ على أيِّ شيءٍ وَيْبَ غَيْرِكَ دَلَّكا
على مذهبٍ لمْ تُلْفِ أُمًّا ولا أَباً عليهِ ولمْ تعرفْ عليهِ أخاً لَكَا

فاتَّصلَ الشِّعرُ برسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فأهدرَ دمَهُ، فقالَ: ((مَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ فَلْيَقْتُلْهُ))، وكتبَ بُجَيْرٌ إلى كعبٍ: النجاةَ؛ فقدْ أهدرَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ دَمَكَ، وما أَحْسَبُكَ ناجياً. ثمَّ كتبَ إليهِ: إنَّ رسولَ اللَّهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ ما جاءَ أحدٌ قطُّ يشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللَّهِ إلاَّ قَبِلَهُ ولمْ يُطَالِبْهُ بما تقَدَّمَ الإسلامَ، فأَسْلِمْ وأَقْبِلْ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ.
فلَمَّا وردَ كتابُهُ توَجَّهَ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ.
قالَ كعبٌ: فَأَنَخْتُ راحِلَتِي على بابِ المسجدِ، ودخلتُ المسجدَ، وعرفتُ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بالصفةِ التي وُصِفَتْ لِي، وكانَ مجلسُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ منْ أصحابِهِ مثلَ موضِعِ المائدةِ من القومِ، يتحَلَّقُونَ حولَهُ حلقةً ثمَّ حلقةً، فيُقْبِلُ على هؤلاءِ فيُحَدِّثُهُمْ، ثمَّ على هؤلاءِ فيحُدِّثُهُمْ، فدنوتُ من النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقلتُ: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللَّهِ، الأمانَ يا رسولَ اللَّهِ. قالَ: ((مَنْ أَنْتَ؟)) قلتُ: كعبُ بنُ زهيرٍ، قالَ: ((الَّذِي يَقُولُ مَا يَقُولُ)). ثمَّ أقبلَ على أبي بكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ فاسْتَشْهَدَهُ الشعرَ، فأنشدَهُ أبو بكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ:

سَقَاكَ بها المأمونُ كَأْساً رَوِيَّةً

فقُلْتُ: لمْ أَقُلْ هكذا، إنَّما قلتُ:

سَقَاكَ أبو بكرٍ بكأسٍ رَوِيَّةٍ .......... وأَنْهَلَكَ المأمونُ منها وعلَّكَا

فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: واللَّهِ.
فَأَنْشَدْتُهُ:

 بانتْ سعادُ فقلبي اليومَ متبولُ مُتَيَّمٌ إثْرُها لمْ يُفْدَ مكبولُ