ضمان السراية في القصاص
09-05-2023
ضمان السراية في القصاص
يقول: [وتضمن سرية جناية لا قود] .
السراية جناية تضمن، والجناية ظلم، فسرايتها تضمن، وأما القود فإنه بحق فلا تضمن سرايته، فمثلاً لو أن إنساناً قطع يد رجل، فالذي قطعت يده قال: هذا جنى علي وقطع يدي، أريد القود.
فمكن من القود فقطعت يد الجاني، ثم قدر أن الجاني تسمم جرحه ومات بسبب هذا القصاص هل تدفع ديته؟ لا تدفع؛ لأن قطع يده بحق قصاصاً، ولو كان الأمر بالعكس فالمجني عليه تسممت يده ثم مات، والمجني عليه حر مسلم، ومات بسبب هذه الجناية فعلى الجاني الدية، ولو قال الجاني: كيف أدفع ديته وهو قد قطع يدي قصاصاً وقد أخذ بالثأر وأخذ حقه كاملاً؟
الجواب
إنه مات بسبب جنايتك، فأنت السبب، فعليك تتمة الدية، وليس هناك قصاص في النفس، ولكن عليه تتمة الدية، فعليه نصف الدية لأنه قد قطع يده، وديته فيها نصف الدية، فعليه نصف الدية الأخرى أو على عاقلته.
وعرفنا الفرق بين الجناية والقود، والسراية: هي تآكل الجرح إلى أن يحصل أكثر مما حصل، فلو أن الجاني قطع إصبعاً كالخنصر أو الإبهام، والمجني عليه قال: أقطع إصبعه مثلما قطع إصبعي.
فاقتص منه، وبعد ذلك جرح الجناية تسمم، ولما تسمم تآكلت اليد فقطعت اليد كلها بسبب تآكلها، فيقول الجاني: أنتم أخذتم حقكم، أنتم قطعتم إصبعي مثل ما قطعت إصبعه! فيقال: بقي أيضاً عليك آثار هذه السراية، فجنايتك تآكلت، فعليك بقية ثمن اليد، فادفع بقية ثمن اليد.
ولو قال المجني عليه: إن يدي تآكلت وقطعت بسبب جنايته، وأنا ما قطعت منه إلا إصبعاً، فأريد أن أقطع اليد كلها كما أن يدي قطعت فليس له إلا الدية على المشهور، وذلك لأن قطع يده بالتآكل قطع لحماية نفسه، وليس الجاني هو الذي قطعها، أما لو كان الأمر بالعكس، فالمجني عليه قطعت إصبعه وسلمت يده، والجاني قطعت إصبعه قصاصاً، ولما قطعت تآكل الجرح فمات.
ففي الأثر: (الحق قَتَلَه) ، ما مات إلا بسبب مباح، فالله تعالى مكن أهل القتيل وأباح لهم أن يقتلوا أو يقتصوا، وهاهنا قد اقتصوا الذي لهم، وكون هذه القود حصل منه الموت ليس بسبب المجني عليه، وإنما هو بسبب القصاص، فالحق قتله، سواءٌ أكان هذا في النفس أم فيما دون النفس، فهذا هو الفرق.
وجوب انتظار البرء قبل القصاص أو الدية في الجراح
يقول: [ولا يقتص عن طرف وجرح، ولا يطلب لهما دية قبل البرء] .
أي: قبل تمام البرء.
روي أن رجلاً طعن رجلاً في ركبته بقرن تيس أو نحوه، ولما طعنه في ركبته وصل إلى عظم الركبة أو تحتها، فجاء ذلك المجني عليه وقال: يا رسول الله! أقدني -أي: مكني أن أقتاد منه فأطعنه بقرن كما طعنني- فقال: (اصبر حتى تبرأ، فصبر أياماً ثم جاء وقال: أقدني.
فردد عليه وهو يأكل: اصبر حتى تبرأ، ولكنه استعجل، فمكنه وضرب ذلك بالقرن في ركبته إلى أن وصل إلى العظم) ، فالجاني برئ جرحه بسهولة، والمجني عليه تسمم فعابت رجله وعرج وصار فيه عرج، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: عرجت يا رسول الله.
فقال: (قد نصحتك) يعني: نهيتك عن الاقتياد حتى تبرأ ولكن امتنعت.
فأخذوا أنه لا يقتص إلا بعد البرء مخافة التسمم، أو مخافة التآكل، أو مخافة حدوث عيب أو ما أشبه ذلك.
فلو كان الجرح -مثلاً- في سن قلعه الجاني، والسن مكانه قد يتأثر، فالمجني عليه قال: أريد قلع سنه كما قلع سني نقول له: انتظر حتى يبرأ أثر قلع السن.
ولكنه ما صبر وقال: أريد أن أقلع سنه، فمكنه الشرع وقلع سن الجاني، ثم إن المجني عليه تآكل مكان سنه فاحتيج إلى قلع الأسنان السفلى كلها، فإنا نقول للمجني عليه: أنت استعجلت، فلو تركت الأمر حتى تبرأ ويعلم ما تتأثر به أسنانك لكان أولى لك.
ففي هذه الحال هو الذي استعجل ولا شيء له، فلذلك قالوا: لا يطلب لهما دية إلا بعد البرء.
وقوله: [لهما] الضمير يرجع على الطرف والجرح، فالطرف مثل اليد والعين، والجرح مثل الموضحة التي هي الجرح في العضد والساق، أو الموضحة في الرأس أو في الوجه، فلا يطلب لهما دية قبل البرء، ولا يقتص لهما قبل البرء مخافة أن يتأثر ذلك الجرح ويحصل الضرر عليه.