الشروط الباطلة في الرهن
17-04-2023
الشروط الباطلة في الرهن
هناك شروط باطلة في الرهن، فإذا شرط أن لا يباع إذا حل الدين فالشرط باطل؛ لأنه ما الرهن إلا وثيقة، وإذا كان وثيقة فإنه عند حلول الدين يباع، وكونه بشرط أن لا يباع فيقول: رهنتك هذه الأكياس في مائة ريال بشرط أنك ما تبيعها، أو هذا الثمر مثلاً، أو هذا الكتاب، أو هذا الثوب بشرط أنك ما تبيعه إذا حل الدين فما الفائدة؟ هذا شرط باطل، وإذا حل الدين فإنه يباع إذا امتنع من الوفاء.
وكذلك لو شرط: إن جئتك بحقك في وقت كذا وإلا فالرهن لك مقابل الدين.
فالشرط أيضاً باطل، وذلك لأن الرهن داخل في ملكية الراهن، فكونه يقول: الرهن لك بدينك يخالف النص الذي ذكرنا، وهو قوله في الحديث: (لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه) فلا يملكه المرتهن، ولو كان الرهن ثوباً والدين عشرين، ولما حل الدين ولم يوفه عرض للبيع بالمزاد العلني، فاشتراه المرتهن وقال: أشتريه.
وما زاد أحد عليه، فاشتراه بدينه الذي هو عشرون أو أكثر أو أقل جاز ذلك؛ لأنه ما عرض للبيع إلا للمزيد، فالمرتهن رأى أنه أحق به أو أنه يساوي هذه القيمة.
للمرتهن ركوب ما يركب، وحلب ما يحلب بقدر نفقته
قال: [وللمرتهن أن يركب ما يركب وأن يحلب ما يحلب بقدر نفقته بلا إذن] .
هذه مسألة خلافية، ذهب الإمام أحمد إلى أنه يركب البعير المركوب، وتحلب الشاة المرهونة التي فيها لبن مقابل نفقته على البعير وعلى الشاة، واستدل بحديث صحيح مروي عند البخاري والإمام أحمد، ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الظهر يركب إذا كان مرهوناً، ولبن الدر يشرب إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة) ، فالإمام أحمد قال: لا عذر لنا في ترك هذا الحديث، فإنه حديث ثابت -والحديث صحيح في صحيح البخاري- فكيف لا نعمل به؟! وأما الأئمة الثلاثة فخالفوا في ذلك وقالوا: لا يركبه إلا بأجرة مثله، ولا يحلب الشاة المرهونة أو البقرة إلا بأجرة مثلها.
فيقولون: في هذه الحال إذا أنفق على البعير حسب النفقة عليه وزادها في الدين وقال: إني دفعت أجرة الراعي -مثلاً- كل شهر ثلاثين، وإني اشتريت له علفاً كل شهر بثلاثين فهي ستون يضيفها إلى دينه، وإذا باعه فإنه يأخذها من الراهن أو يطلبها من الراهن، فإذا احتاج وركب البعير -مثلاً- حسب أجرته، فإن ركب من كذا إلى كذا وأجرة مثله خمسون أو مائة يسقطها من دينه أو يسقطها من النفقة، هكذا ذكروا.
فإذا كان الرهن بعيراً، فقديماً كانوا يركبونه لا يجدون ما يركبون غيره قبل وجود المراكب الجديدة، وكذلك الحصان والحمر الأهلية، فالإبل والخيل والحمر والبغال تركب، وكذلك السفن والزوارق تركب، فإذا ركبها فإنه يحسب لها أجرة، ويسقطها من دينه، هذا عند الأئمة الثلاثة، وأما عند الإمام أحمد فإذا كان ينفق على الفرس أو على الحمار أو البغل أو البعير فركبه فإن ركوبه يكون مقابل النفقة، وإذا كان ينفق على الشاة أو البقرة أو الناقة وفيها لبن فيقول الإمام أحمد: يشرب لبنها، ويكون مقابل النفقة والأئمة الثلاثة يعملون بالحديث الذي ذكرنا: (لا يغلق الرهن من صاحبه، له غنمه وعليه غرمه) فغرمه النفقة عليه، وغنمه لبنه أو أجرة ركوبه، والإمام أحمد جعل هذا مستثنى، وقد برر بعضهم مذهب أحمد فقال: إذا كان الرهن يشترط قبضه ولابد أن يكون في يد المرتهن كما إذا كان من الإبل فهذه الإبل فيها منفعة، فالناقة فيها لبن مثلاً، والبعير يركب، فلا تضيع هذه المنفعة، بل يحرص على استغلالها، وقد يشق عليه أن يستأذن المالك كلما أراد أن يشتري لها علفاً، ولا يجوز تركها بلا علف، وذلك لأنها محترمة، وإذا لم تعلف فإنها تموت، وكذلك أيضاً إذا كان فيها منفعة الركوب فلا تضيع منفعتها، فيكون إنفاقه بقدر ركوبه، وركوبه وإنفاقه متقاربان، فيركب البعير وينفق عليه، وكذلك ينفق على البقرة أو الناقة ويشرب لبنها، والأمران متقاربان، وكذلك الشاة ينفق عليها ويشرب لبنها ويكون اللبن مقارباً لعلفها ونحو ذلك، ولكل اختياره، وكل منهما عمل بحديث، فالإمام أحمد عمل بحديث خاص، وقال: هذا يخصص الأحاديث العامة، وهو حديث: (الظهر يركب إذا كان مركوباً، ولبن الدر يشرب إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يشرب ويركب النفقة) فلا عذر عن العمل بهذا الحديث.
الإنفاق على الرهن بغير إذن الراهن
قال: [وإن أنفق على الرهن بلا إذن الراهن مع إمكانه لم يرجع] .
إذا كان الرهن يحتاج إلى نفقة، وكان -مثلاً- ليس فيه منفعة، مثل الثور فإنه لا يركب ولا يحلب ولكن يحتاج إلى نفقة العلف، فأنفق عليه بلا إذن مع إمكان أن يستأذنه فإنه لا يرجع، فإذا أذن له الراهن وقال: أنفق عليه واحسب علي نفقته وصار ينفق عليه كل يوم بريال علفاً فإنه يرجع به على الراهن، وأما إذا لم يستأذن مع قدرته على الاستئذان فلا يرجع، بل يذهب عليه ما أنفقه، وذلك لأنه أنفق عليه حماية لماله، يقول: لو لم أنفق عليه فإنه سيموت، وإذا مات ضاع مالي، فأنا ما حفظته إلا كوثيقة لعله إذا حل ديني أبيعه وأستوفي من ثمنه ديني.
وهكذا إذا أنفق على الرهن وهو ليس حيواناً، مثل شجر يحتاج إلى سقي، فأنفق عليه مع إمكان استئذان الراهن فلا يرجع، وكذلك لو كان الرهن شيئاً يسرع فساده كالخضار مثلاً، ففي هذه الحال يبيعه إذا خشي أن يفسد ويحتفظ بثمنه، فيبيع الفواكه ويبيع الخضار إذا خشي أنها تتلف، وكذلك لو كان الرهن مثلاً أكياساً وكانت في مستودع بأجرة، فإن الأجرة على الراهن، فلو خشي أن هذا المستودع يسقط فأتى بعمال ونقلوه من هذا المكان إلى مكان آخر مأمون ففي هذه الحال عليه قبل ذلك أن يستأذن الراهن ويقول: ائذن لي أن آتي بعمال وآتي بحمالين ينقلونه حتى لا يذهب؛ فإني أخشى عليه من سيل -مثلاً-، أو من غرق، أو من هدم.
فإذا نقله ولم يستأذن المالك فلا أجرة له، ولا يرجع بهذه النفقة، أما إذا لم يقدر على الاستئذان، كما لو كان الراهن بعيداً ولا يمكن استئذانه، أو جاء أمر باغت كسيل -مثلاً- وكان لا بد أن ينقل هذا المستودع إلى مكان آخر قبل أن يدخل عليه السيل، أو وقع حريق مثلاً وخشي أن يناله فنقله إلى مكان آخر واستأجر عمالاً، ففي هذه الحال يرجع، وبأي شيء يرجع؟ يرجع بالأقل مما أنفق، أو من أجرة المثل أو نفقة المثل، فإذا قال: إني استأجرت عمالاً خوف الحرق والغرق بمائتين حتى لا يتلف المال فنظرنا وإذا أجرة النقل العادية لا تزيد عن مائة فنقول: إنك تسرعت، ولو طلبت من ينقله بمائة لوجدت، فأنت تسرعت فلك مائة وإن وجدنا أنه لا ينقل مثله إلا بثلاثمائة وقد نقله بمائتين فليس له إلا المائتان، ولا يقول: إني أستحق ثلاثمائة؛ لأنك ما دفعت إلا مائتين وفي هذه الحال أيضاً لا يرجع إلا إذا أنفقه وفي نيته أن يرجع إلى الراهن، وأما إذا لم ينو فلا حق له في الرجوع.