متى يجوز التأجيل

يقول: إذا بيع مكيل بموزون جاز مطلقاً، وذلك لعدم الاتفاق في العلة، فيجوز أن تقول -مثلاً-: أشتري منك عشرة آصع براً بخمسة كيلو جرام لحماً، ولكن لابد أن يكون أحد العوضين حاضراً؛ لئلا يكون بيع دين بدين، فإنه لا يجوز بيع الدَين بالدِين، فإذا قلت -مثلاً-: أعطني عشرة آصع بر ثمنها خمسة كيلو جرام من لحم، فقال: خمسة كيلو جرام لحماً ليست لدي الآن، آتيك بها غداً أو بعد خمسة أيام أو بعد شهر، يجوز ذلك؛ لأن هذا مكيل وهذا موزون، اللحم موزون والبر مكيل، فلما اختلفت العلة جاز النسأ، لكن لا يجوز أن يكون العوضان غائبين؛ لأنه ورد أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الكالئ بالكالئ) أي: الغائب بالغائب، فلابد أن يكون أحد العوضين حاضراً، فإذا كان -مثلاً- البر حاضراً واللحم غائباً، أو بالعكس جاز.

وكذلك صرف ذهب بفضة، فالذهب جنس، والفضة جنس، ولكن العلة فيهما ما هي؟ العلة عندنا كونهما موزوني جنس، فصرف الدراهم بالدنانير أو بيع الذهب بالفضة اتفقا في علة واحدة وهي الوزن، فلا يجوز أن يباع أحدهما بالآخر إلا يداً بيد، ومعلوم أن الذهب أغلى من الفضة، فإذا صرفت -مثلاً- جنيه بمائة ريال فضة، فلابد من التقابض قبل التفرق؛ لأن العلة فيهما واحدة؛ وهي: أن هذا موزون وهذا موزون، وعند الأئمة الآخرين أن هذا ثمن وهذا ثمن، أي: نقد، فهما من النقود التي تستعمل قيماً للسلع، وتقدر بهما السلع.

 حيلة شرعية للسلامة من ربا النساء عند الصرف

قد يحتاج الإنسان إلى صرف، ولا يجد الصيرفي الثمن كاملاً، والحيلة في ذلك إذا قال -مثلاً-: أشتري منك هذا الجنيه بخمسمائة، ولكن ما وجد الآن إلا مائتين وخمسين، ففي هذه الحال لا يجوز التفرق إلا بعد التقابض، لكن إذا كنت محتاجاً إلى هذه المائتين والخمسين حاجة ضرورية، فتترك الجنيه عنده وتقول: الجنيه عندك أمانة، وهذه المائتين والخمسين اعتبرها قرضاً منك، واعتبر الجنيه رهناً عندك، وإذا أتيتك بعد غد وقد وجدت الدراهم أحاسبك على ما في ذمتي من المائتين والخمسين، وتعطيني بقية قيمة الجنيه، فصار تصارفاً جديداً، فإذا جئت غداً وإذا الجنيه قد رخص، لا يساوي إلا أربعمائة وخمسين، فيقول: الآن يساوي أربعمائة وخمسين، وعندك لي مائتان وخمسون، فالباقي لك مائتان، فخذ هذه المائتين بقيتها، فنتصارف من الآن، وتصارفنا بالأمس لا يعتبر؛ وذلك لأنه لم يحصل التقابض من الطرفين، حصل من طرف واحد، يمكن أن يعتبر هذا، ويمكن أن يعتبر شيء آخر وهو أن تقول: الآن صارفتني على نصف الجنيه، والنصف الثاني أمانة عندك، ولا تتصرف فيه، فإذا جئت بعد غد وإذا السعر قد انخفض فإنه يعطيك قيمة نصف الجنيه الذي قد أعطاك نصفه بالغة ما بلغت، إذا كان النصف أصبح لا يساوي إلا مائتين وخمسة وعشرين، والجنيه كان بالأمس ما يساوي إلا أربعمائة وخمسين، وعندي لك نصف جنيه، والنصف الأول قد قبضت قيمته، فأعطيك قيمة النصف الباقي الذي هو مائتان وخمسة وعشرون، وهكذا لو ارتفع السعر وأصبح يساوي ستمائة، فإنك تقول: عندك لي ستمائة، وقد وصلني منك مائتان وخمسون، قيمة النصف، والنصف الباقي كم قيمته؟ ثلاثمائة، فيحاسبك على ثلاثمائة، ولا يحاسبك على النصف الأول، فأنت قبضت نصف الجنيه مائتين وخمسين، والنصف الباقي زاد قيمته فأصبح يساوي ثلاثمائة، يعني صرف الجنيه بستمائة، فيعطيك قيمة النصف الذي عنده؛ فيصح ذلك.