كون المبيع مالاً

الشرط الثالث: كون المبيع مالاً، وهو ما فيه منفعة مباحة، فلا يجوز بيع ما ليس فيه منفعة، أو فيه منفعة ولكنها محرمة مثل الخمر، كما ذكر الله في قوله: {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219] ، وكذلك إذا كانت المنفعة ليست مباحة مطلقاً كالكلب، فإنه وإن كان فيه منفعة الحراسة والصيد، لكنها منفعة خاصة لمن يحتاج إلى ذلك.

وكذلك الحشرات ليس فيها منفعة، فإذا كان فيها منفعة خاصة فإنه يجوز بيعها، مثل بيع النحل؛ لأنه يستخرج منه العسل، فيجوز بيعه ولو كان من الحشرات التي هي شبيهة بالذباب، ومثل بيع دود القز، فإن نسيجه ينتج منه الحرير، ونسجه مثل نسج العنكبوت إلا أنه أرق وألين، فيؤخذ هذا النسج وينسج منه ثياب لينة رفيعة الثمن، فيجوز بيع غزله، ويجوز بيع الدود نفسه، وأما بقية الحشرات فلا يجوز بيعها، وكذلك كل ما لا منفعة فيه.

ويجوز بيع ما فيه منفعة مباحة ولو كان حرام الأكل، مثل الحمار الأهلي، فمنفعته مباحة، والناس يحتاجون إليه للحمل عليه وركوبه عادة، وإن كان غير مأكول، فبيعه متعارف عليه.

 كون المبيع مملوكاً للبائع أو مأذوناً له فيه

الشرط الرابع: كون المبيع مملوكاً للبائع أو مأذوناً له فيه، ويخرج بذلك أن يبيع ما ليس في ملكه، فلا يبيع شاة غيره، ولا بيت غيره، ولو كان خاصاً بأبيه وأمه، إلا إذا كان موكلاً مأذوناً له في البيع فإنه يقوم مقام صاحب المال، وكذلك لا يشتري بمال غيره، فلو أعطاك إنسان ألفاً أو عشرة آلاف أمانة، فلا تقل: سوف أشتري له بها أرضاً أو داراً، ولو كانت رخيصة، بل احفظها له حتى تسلمها، ولا تقل: إن هذا أنفع.

ولا يجوز لك أن تبيع شاة غيرك، حتى لو جاء إنسان محتاج وسوف يدفع فيها ثمناً كبيراً فتقول: أبيعها لأجل المصلحة، لأجل هذه المصلحة التي ليس لها نظير، فلا يجوز ذلك، وما ذاك إلا لأنه في هذه الحال قد لا يرضى، وقد تكون حاجته إلى تلك الشاة أو ذلك الثوب أو ذلك الكيس أو ما أشبهه أشد، فالحفظ لهم أولى.

ولو اشتريت شاة ونويتها لزيد بدراهم عندك له، ثم قبلها زيد، أو كان عندك له دراهم، وعرفت بأنه بحاجة إلى شاة، ورأيت شاة مناسبة واشتريت تلك الشاة بدراهمه، فإن رضي فهي له، وإن سخط لزمتك أنت، ولا ترجع لصاحبها البائع، إلا إذا أخبرته وقلت: إني أشتريها لزيد، وقد لا يكون موافقاً؛ لأنه غائب وعندي له دراهم، فإذا لم يرضها في هذه الحالة فإن صاحبها يقبلها؛ لأنك أخبرته بأنك لا تشتريها لنفسك، وإنما هي لإنسان عندك له مال، وهو لم يرضَ.

أما إذا كان حاضراً، واشتريت له بماله، وأقرك، وانتهى العقد، وهو ساكت ويرى تصرفك، فالصحيح أنه يلزمه ذلك، وإذا تم البيع فليس له الرجوع، وليس لصاحبها أن يلزم.

وهذا يعتبر من الشروط المشهورة، وهو كون البائع مالكاً للعين أو وكيلاً في تلك العين مأذوناً له فيها.