أيهما أفضل: التداوي أم تركه؟

هل ترك التداوي أفضل أم فعله؟ يقولون: من كان قوي القلب، وقوي الصبر، ويأمن ألا يضجر ولا يشتكي ولا يتضجر ولا يتأوه، بل يثق في نفسه بأنه يرضى بقضاء الله وبقدره؛ فإن ترك الدواء توكلاً على الله تعالى أفضل في حقه، كما في حديث السبعين ألفاً: (لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون) ومع ذلك فإن الدواء جائز، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم (تداووا عباد الله! ولا تتداووا بحرام) ، وقوله: (ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله) ، وفي حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (الشفاء في ثلاث: في شرطة محجم، وكية نار، وشربة عسل) يعني: أن هذه أقرب لحصول الشفاء، ولا ينفي حصول الشفاء في غيرها، فهذا دليل على إباحة التداوي، وإذا أراد الإنسان التداوي فإنه مع ذلك يتوكل على الله، ويعتقد أن ربه سبحانه هو الذي أنزل الداء، وهو الذي أنزل الدواء، وهو الذي أمر بالعلاج وأباحه، كما أمر بالغذاء والأكل والشرب لدفع ألم الجوع والعطش وما أشبه ذلك، فعلى هذا يكون الدواء مباحاً، ولا ينافي التوكل إذا علم أن الله تعالى مسبب الأسباب.

 من السنة الاستعداد للموت بالأعمال الصالحة

يقول المؤلف رحمه الله: (يسن الاستعداد للموت) الاستعداد له هو بعمل الصالحات، وكان كثير من السلف يعملون من الأعمال الصالحة ما لا مزيد عليه؛ حتى لو قيل لأحدهم: إنك تموت الليلة أو غداً لم يكن هناك ما يزيد في عمله؛ لأنه عامل بكل ما يستطيعه وما يقدر عليه، فالاستعداد له هو أن يعمل الأعمال الصالحة، ويترك السيئات، ويتوب دائماً، ويجدد التوبة في كل صباح وفي كل مساء حتى إذا جاءه الموت يكون مستعداً، ولا يقول: {رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} [المنافقون:10-11] .

ويسن الإكثار من ذكره، ففي حديث صحيح عند الترمذي وغيره، قال صلى الله عليه وسلم: (أكثروا ذكر هاذم اللذات) هكذا ضبطوه بالذال، يعني: مكدرها، أي: أنه ما ذكر في قليل إلا كثره، ولا في كثير إلا قلله، فإذا أكثر من ذكره فإن ذكره يزهده في الدنيا وما عليها، ويرغبه بالقناعة، ويقنعه بما أعطاه الله ولو كان قليلاً، وكذلك إذا كان ذا ثروة وذا أموال ونحوها، ثم تذكر الموت علم أنه ذاهب وتارك هذه الدنيا كلها، وأنه ليس له إلا ما قدم، فيحرص على أن يقدم الخير.