زهده ﷺ
15-03-2023
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه قال: دخلت علىٰ رسول الله ﷺ، فإذا هو مضطجع علىٰ حصير، فأدنىٰ إليه إزاره وجلس، وإذا الحصير قد أثر بجنبه، فقلّبْت عيني في خزانة رسول الله ﷺ([1]) فإذا ليس فيها شيء من الدنيا غير قبضتين من شعير، وقبضة من قرض نحو الصاعين، فدمعت عيناي، فقال رسول الله ﷺ: «ما يبكيك يا ابن الخطاب؟». قلت: يا رسول الله، وما لي لا أبكي، وأنت صفوة الله ورسوله وخيرته وهذه خزانتك، وكسرىٰ وقيصر في الثمار والأنهار وأنت هكذا. فقال: «يا ابن الخطاب، أما ترضىٰ أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا». قلت: بلىٰ يا رسول الله. قال: «فاحمد الله»([2]).
وعن أنس قال: دخلت علىٰ النبي ﷺ وهو علىٰ سرير مرمول بشريط([3]) وتحت رأسه مرفقة حشوها ليف، فدخل عليه ناس من أصحابه فيهم عمر، فاعوج النبي ﷺ اعوجاجاً([4])، فرأىٰ عمر أثر الشريط علىٰ النبي ﷺ فبكىٰ، فقال النبي ﷺ: «ما يبكيك؟». قال: كسرىٰ وقيصر يعيثان فيما يعيثان فيه وأنت علىٰ هذا السرير. فقال: «أما ترضىٰ أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟». قال: بلىٰ. قال: «فإنه كذلك»([5]).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: اضطجع النبي ﷺ علىٰ حصير فأثر بجلده فجعلت أمسحه عنه وأقول: بأبي وأمي ألا آذنتنا فنبسط لك، فقال: «ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها»([6]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «لو كان لي مثل أحد ذهباً ما يَسُرُّني أن لا يَمُر عليَّ ثلاث ليالٍ وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لِدَيْنٍ»([7]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «اللَّهم اجعل رزق آل محمد قوتاً»([8]).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع رسول الله ﷺ ثلاثة أيام تباعاً من خبز بُرٍّ حتىٰ مضىٰ لسبيله([9]).
وعن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنا لننظر إلىٰ الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أُوقِدَ في أبيات رسول الله ﷺ نار. قال عروة: فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه كان لرسول الله ﷺ جيران من الأنصار، وكان لهم منائح، فكانوا يرسلون إلىٰ رسول الله ﷺ من ألبانها، فيسقيناه([10]).
وقالت: ما شبع رسول الله ﷺ من خبز شعير يومين متتابعين حتىٰ قُبِض([11]).
وقالت: كان فراش رسول الله ﷺ من أدم حشوه ليف([12]).
هذا هو رسول الله ﷺ في زهده، وماذا نقول نحن عن حياتنا، ما نأكل! وما نشرب! وما نلبس! وما ننام عليه! ما نقول إلا: الله المستعان.
([3]) أخرجه البخاري (4913)، ومسلم (1479).
([6]) أخرجه أحمد (12417)، وحسن إسناده الحافظ الذهبي.
([7]) أخرجه الترمذي (2377)، وقال الحافظ الذهبي: «هذا حديث حسن، قريب من الصحة». «تاريخ الإسلام» (1/765).
([9]) أخرجه البخاري (4660)، ومسلم (1055).