العقيدة قبل كل شيء
14-03-2023
ولما أحسّ بِخِفَّةٍ، دخل المسجد وهو معصوب الرأس، حتىٰ جلس علىٰ المنبر وخطب الناس وهم مجتمعون حوله قال: «لعنة الله علىٰ اليهود والنصارىٰ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»([1]).
وفي رواية أنه قال: «قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ألا لا تتخذوا قبري وثناً يُعبد»([2]).
وهذا دليل علىٰ حرص النبي ﷺ علىٰ تأسيس العقيدة من أول الدعوة إلىٰ آخرها، فالعبادة لا تَتَمَثَّلُ فقط في السجود لغير الله تبارك وتعالىٰ، العبادة حياة: الذبح، النذر، الطواف، السعي، الدعاء، الاستغاثة، الإخبات، الخوف، الرجاء، التقوىٰ، التوكل، فالعبادة الحياة كلها. فيجب علىٰ المسلم أن يصرف كل العبادة لله سبحانه وتعالى، قال تعالىٰ آمراً رسوله: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 162] والآن لا أقول مع قبر النبي ﷺ بل مع غيره ممن هم دونه بكثير، ماذا يفعل بقبورهم؟ يطاف حولها، ويذبح لهذه القبور، وتدفع الأموال لأصحابها، وتدعىٰ من دون الله تبارك وتعالىٰ، ويتوسل بها، ويخاف من أهلها، فأي دين هذا؟!
إن العبادة لا تجوز أن تكون إلا لله، قال الله تبارك وتعالىٰ: ﴿لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ [الرعد: 14].
ثم نزل ﷺ فصلىٰ الظهر، ثم رجع فجلس علىٰ المنبر وقال: «أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي([3])، وقد قضوْا الذي عليهم وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم»([4]).
وقال: «إن الناس يكثرون، وتقل الأنصار حتىٰ يكونوا كالملح في الطعام، فمن ولي منكم أمراً يضر فيه أحداً أو ينفعه فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم»([5]).
([2]) أخرجه البخاري (435)، ومسلم (531)، من حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهما.
([3]) أخرجه البخاري (437)، ومسلم (530)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([4]) جماعتي وأصحابي الذين أطلعهم علىٰ سري وأثق بهم وأعتمد عليهم.