اشتد المرض برسول الله ﷺ، وذلك أن الله سبحانه وتعالى إذا أحب عبداً ابتلاه، وأحب الناس إلىٰ الله الأنبياء، فلذلك يشدد عليهم بالبلاء ليرفع جل وعلا من درجاتهم، وأما غير الأنبياء فإنه يشدد في البلاء علىٰ الصالحين ليكفر من سيئاتهم ولترفع كذلك درجاتهم.

والمسلم لا يتمنىٰ البلاء ولا يتمنىٰ أن يفتن لعله ألا يصبر، ولكنه يسأل الله تبارك وتعالىٰ العافية، وإذا ابتلاه أن يعينه علىٰ الصبر، ولذلك قال النبي ﷺ: «لا تتمنوا لقاء العدو، وإذا لقيتموهم فاصبروا»([1]).

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: إن علي بن أبي طالب خرج من عند رسول الله ﷺ في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس: يا أبا الحسن، كيف أصبح رسول الله ﷺ؟ قال: أصبح بحمد الله بارئاً.

فقام العباس بن عبد المطلب فأخذ بيد علي فقال: إني أرىٰ رسول الله ﷺ سيتوفىٰ في وجعه هذا، وإني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت([2]). وهذا من العباس فراسة وهي قوة الحدس.

بدأ مرض النبي ﷺ وهو عند زوجه ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، ولما ثقُل جعل يسأل: «أين أنا غداً؟ أين أنا غداً؟»([3])، ففهمن مراده، فأذِنَّ له حيث يشاء.فانتقل إلىٰ بيت عائشة، لأنها كانت أحب الناس إلىٰ رسول الله ﷺ، كما في حديث عمرو بن العاص قال: سألت النبي ﷺ: من أحب الناس إليك؟ قال: «عائشة»([4]).

فانتقل إلىٰ بيت عائشة يمشي بين الفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب، عاصباً رأسه، تخطُّ قدماه([5])، حتىٰ دخل بيتها فقضىٰ عندها آخر أسبوع من حياته ﷺ.

تقول عائشة: كنت اقرأ المعوذات علىٰ النبي ﷺ وأنفث علىٰ نفسه وأمسح بيده علىٰ نفسه رجاء البركة([6]).

وفي يوم الأربعاء قبل موته بخمسة أيام زادت عليه الحرارة واشتد به الوجع وغُمي عليه ﷺ، فقال: «هريقوا([7]) عليَّ سبع قِرَب من آبارٍ شتىٰ حتىٰ أخرج إلىٰ الناس، فأعهدُ إليهم».

وهنا هذا العدد له خصوصية، فقد جاءت فيه نصوص كثيرة، مثل:

ــ قول النبي ﷺ: «من تصبّح بسبع تمرات عجوة([8]) لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر»([9]).

ــ قراءة الفاتحة علىٰ المصاب سبع مرات([10]). وقال الحافظ ابن حجر عنه: «وسنده صحيح»([11]).

ــ الرقية المشهورة «أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر»، سبع مرات([12]).

ــ وحديث: «من قال عند مريض لم يحضره أجله: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك. سبع مرات، شُفي من ذلك المرض»([13]).

ــ ثم أضف إلىٰ ذلك الطواف سبعاً، والسعي سبعاً، ورمي الجمار سبعاً، وغير ذلك كثير.

فالنبي ﷺ قال: «هريقوا عليَّ سبع قِرَب من آبارٍ شتىٰ، حتىٰ أخرج إلىٰ الناس، فأعهد إليهم». فأقعدوه في مِخْضَب([14]) وصبوا عليه الماء، حتىٰ طفق يقول: «حسبكم، حسبكم»([15]).

 

([1])             «المسند» (5/201).

([2])            أخرجه مسلم (1741).

([3])            أخرجه البخاري (4447).

([4])            أخرجه البخاري (3774).

([5])            أخرجه البخاري (3662).

([6])            لا يستطيع المشي.

([7])            بركة يده ﷺ.

([8])            صبوا.

([9])            تمر المدينة.

([10])          أخرجه أحمد (11070)، والترمذي (2063)، وابن ماجه (2156).

([11])           أخرجه البخاري (5445)، ومسلم (2047).

([12])          «فتح الباري» (8/141).

([13])          أخرجه مسلم (2202).

([14])          أخرجه أبو داود (3106)، والترمذي (2083)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

([15])          الطست الكبير.