وفاة الرسول ﷺ سنة (11هـ)
14-03-2023
لما أتم النبي ﷺ الدعوة إلىٰ الله تبارك وتعالىٰ ونزل قوله تعالىٰ: ﴿ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: 3]، وعمّ الإسلام الجزيرة كلها، وبدأ ينتشر خارجها، بدأت طلائع توديع الحياة للنبي ﷺ، وذلك في أمور من أبرزها:
1 ــ أنه ﷺ اعتكف في رمضان من السنة العاشرة عشرين يوماً، بينما كان لا يعتكف إلا عشرة أيام.
2 ــ تدارَسه جبريل القرآن مرتين، وكان يتدارسه معه مرة واحدة في كل عام.
3 ــ وقال في حجة الوداع: «لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا»([1]).
4 ــ وقال ﷺ: «لتأخذوا عني مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه»([2]).
5 ــ وأنزلت عليه ﷺ سورة النصر في أواسط أيام التشريق، ونعيت له فيها نفسه كما أخرج ذلك البخاري، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر يجلسني مع الشيوخ فقال له عبد الرحمن بن عوف: إنك تقدم عبد الله بن عباس وفي أولادنا من هو في سنه أو أكبر. فأراد عمر أن يظهر لهم فضل عبد الله بن عباس فقال لجمعهم: ما تقولون في قول الله تبارك وتعالىٰ: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ ؟ قالوا: إن الله أمر نبيه ﷺ إذا أتم الله الفتح أن يستغفر ربه ويتوب إليه.
فالتفت عمر إلىٰ عبد الله بن عباس فقال: وما تقول أنت؟ فقال عبد الله: لا. قال عمر: فما تقول؟ قال عبد الله: هذه نفس النبي نُعيت له. فقال عمر: والله ما أعلم منها إلا ما قال عبد الله بن عباس([3]).
6 ــ في صفر من السنة الحادية عشرة من الهجرة، خرج النبي ﷺ إلىٰ أُحُد، فصلىٰ علىٰ الشهداء كالمودع للأحياء والأموات، وكان النبي ﷺ لما دفن شهداء أحد ــ كما ذكرنا في أول هذه السيرة المباركة ــ لم يُصَلِّ عليهم، وقال بعض أهل العلم: إن الصلاة عليهم هنا بمعنىٰ الدعاء.
ثم قال النبي ﷺ عندما صعد المنبر: «إني فرطكم([4])، وإني شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلىٰ حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف أن تشركوا بعدي ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها»([5]).
وخرج في ليلة ما في منتصفها إلىٰ البقيع وهي مقبرة المدينة، فاستغفر لأهل البقيع وقال: «السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس، لو تعلمون ما نجاكم الله منه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع أولها آخرها، الآخرة شر من الأولىٰ»([6]).
وفي آخر شهر صفر من السنة الحادية عشرة، في يوم الاثنين شهد الرسول ﷺ جنازة في البقيع، فلما رجع أخذه صداع في رأسه واتّـقدت الحرارة من فوق العصابة، واشتد به المرض.
عن عبد الله بن مسعود قال: دخلت علىٰ النبي ﷺ وهو يوعك، فمسسته فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكاً شديداً. قال: «أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم». قلت: أذلك لأن لك الأجر مرتين؟ قال: «أجل، ما من مسلم يصيبه أذىٰ من مرض فما سواه، إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها»([7]).
وقال رسول الله ﷺ: «أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلىٰ الرجل علىٰ حسب دينه فإن كان في دينه صلابة شُدّد عليه في البلاء»([8]).
وأخرج الإمام أحمد([9]) عن أسامة بن زيد أنه قال: لما ثقُل رسول الله ﷺ هَبَطَتُّ وهبط الناس معي إلى المدينة.
لأنهم قد خرجوا ليغزوا الروم، وكان قد جهزهم الرسول ﷺ، فلما سمعوا عن مرض الرسول ﷺ تثاقلوا عن الخروج ليطمئنوا علىٰ حاله.
قال: فدخلت علىٰ رسول الله ﷺ وقد أُصمت فلا يتكلم، فجعل يرفع يديه إلىٰ السماء ثم يصوبها علىٰ وجهي أعرف أنه يدعُو لي.
([2]) أخرجه أحمد (3/332)، والترمذي (886)، والنسائي في «الكبرىٰ» (2/425)، وابن ماجه (3023)، بألفاظ متقاربة.
([3]) تقدم تخريجه قريباً من حديث جابر رضي الله عنه.
([8]) أخرجه البخاري (5648)، ومسلم (2571).
([9]) أخرجه أحمد (1481، 1494)، والترمذي (2398)، وابن ماجه (4023).