غنيمة الأنصار
14-03-2023
ثم فرض النبي ﷺ الغنائم فقسمها، فكانت سهامهم لكل رجل أربعاً من الإبل وأربعين شاةً.
ولا شك أن هذه أعظم غنيمة حازها المسلمون في زمانهم، فقد أعطىٰ النبي ﷺ الناس ما أعطاهم، وترك الأنصار فلم يععطهم شيئاً. الأنصار وجدوا في قلوبهم، فكيف أن الرسول ﷺ يعطي هؤلاء مسلمة الفتح وبعض أهل مكة وبعض الأعراب، ونحن لا يعطينا شيئاً؟ وكثر فيهم القول حتىٰ قال بعضهم: لقي والله رسول الله ﷺ قومه ونسينا.
فدخل عليه سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي قسمت في قومك، وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب ولم يكن في حي الأنصار منها شيء! فقال النبي ﷺ: «فأين أنت من ذلك يا سعد؟». قال: يا رسول الله، ما أنا إلا من قومي. فقال النبي ﷺ: «فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة». وفي بعض الروايات قال: «ولا يدخل علينا إلا رجل من الأنصار».
فخرج سعد وجمع الأنصار، فجاء رجال من المهاجرين فدخلوا، وجاء آخرون فردّهم، فلما اجتمعوا له أتاه سعد فقال: لقد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار. فأتاهم النبي ﷺ فحمد الله وأثنىٰ عليه ــ وهذه عادته إذا أراد أن يتكلم يحمد الله ويثني عليه، ثم قال: «يا معشر الأنصار، مقالة بلغتني عنكم، وَجِدةٌ وجدتموها عليّ في أنفسكم، ألم آتِكم ضُلّالاً فهداكم الله؟ وعالة فأغناكم الله؟ وأعداءً فألف الله بين قلوبكم؟». قالوا: بلىٰ. الله ورسوله أمنُّ وأفضل. ثم قال: «ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟». قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ولرسوله المن والفضل.
فقال ﷺ: «أما والله لو شئتم لقلتم ولصَدَقْتم ولصُدِّقْتُم، لو قلتم: أتيتنا مكذباً فصدقناك، مخذولاً فنصرناك، طريداً فآويناك، عائلاً فآسيناك، لو قلتم هذا لصَدَقْتم ولصُدِّقْتم. أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لُعاعة من الدنيا تألَّفْت بها قوماً ليسلموا ووكلتكم إلىٰ إسلامكم. ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله ﷺ إلىٰ رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار، لو سلك الناس شِعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللَّهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار». فبكىٰ القوم حتىٰ أخضلوا لحاهم من البكاء، وقالوا: رضينا برسول الله ﷺ قسماً وحظاً. ثم انصرف رسول الله ﷺ وتفرقوا([1]).
وهكذا طيّب النبي ﷺ خاطر الأنصار الذين نصروه في ساعة العسرة.
([1]) أخرجه أحمد (3/76)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.