قال أبو قتادة: خرجنا مع النبي ﷺ عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلاً من المشركين قد علا رجلاً من المسلمين، فضربته من ورائه علىٰ حبل عاتقه([1]) بالسيف، فقطعت الدرع، وأقبل عليّ فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني. أي إن هذا الرجل ضخم، كبير، عظيم، شجاع، جريء. فلحقت عمر وقلت: ما بال الناس؟ قال: أمر الله عز وجل. ثم رجعوا إلىٰ النبي ﷺ بعد أن ناداهم العباس، فجلس النبي ﷺ بعد أن انتصر من المعركة وقال: «من قتل قتيلاً له عليه بَيِّنَةٌ؛ فله سَلَبه»([2]). فقلت([3]): من يشهد لي؟ لا أحد. فجلست. فقال النبي ﷺ مثله. قال: ثم قال النبي ﷺ مثله. فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست. فقال النبي ﷺ: «ما لك يا أبا قتادة؟». فأخبرته. فقال رجل: صدق وسلبه عندي، فأَرْضِهِ عني. فقال أبو بكر: لا هالله([4])، إذاً لا يعمِد إلىٰ أسدٍ من أُسْدِ الله، يقاتل عن الله ورسوله ويعطيك سلبه. فقال النبي ﷺ: «صدق، فأعطه». فقال أبو قتاده: فأخذته. فابتعت فيه مخرفاً([5]) في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته([6]) في الإسلام([7]).

وكان قد رجع المسلمون إلىٰ النبي ﷺ، فقاتلوا الكفار وجالدوهم حتىٰ انتصر النبي ﷺ ومن معه بنصر الله تعالىٰ لهم، وفيها قال الله جلّ وعلا: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ ٱلْكَافِرِينَ﴾ [التوبة].

 

([1])             هو ما بين العنق والكتف.

([2])            السلب: ما كان مع المقتول من سيف أو خيل أو مال وغيره.

([3])            في نفسه.

([4])            الهاء للتنبيه، واو القسم محذوفة.

([5])            مجموعة أشجار.

([6])            جمعته.

([7])            أخرجه البخاري (4321)، ومسلم (1751).