قال النبي ﷺ للعباس: «ناد المهاجرين والأنصار، ناد أصحاب السَمُرَة»، أي الذين بايعوا النبي ﷺ بيعة العقبة عند الشجرة وكانت شجرة سَمُر.

فقام العباس ينادي: يا أصحاب السَمُرَة، يا للأنصار، يا للخزرج. وقد نادىٰ الخزرج دون غيرهم لأنهم كانوا صُبُراً في الحرب. فأخذ النبي ﷺ حصيات، ورمىٰ بها في وجوه الكفار، ثم قال: «انهزموا ورب محمد».

فما هو إلا أن رماهم، فكان حدّهم كليلاً وأمرهم مدبراً. قال العباس: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر علىٰ أولادها. يقولون: يا لبيك، يا لبيك. وكان الرجل منهم يثني بعيره ليرجع معه، فكان البعير إذا لم يطاوعه، فينزل عن البعير فيأخذ درعه، ويأتي إلىٰ النبي ﷺ.

وكان الذين بقوا عند النبي ﷺ مجاورين له لم يتحركوا عشرة: أبو بكر، وعمر، وعلي، والعباس، والفضل بن العباس، وربيعة بن الحارث، وأبو سفيان بن الحارث، وأسامة بن زيد، وابن مسعود، وأيمن ابن أم أيمن ــ أخو أسامة لأمه ــ، وهذا هو الوحيد الذي قُتل من هؤلاء العشرة.

قال العباس:

نصرنا رسول الله في الحرب تسعة                                                           وقد فرّ من قد فرّ عنه وأقشعوا

وعاشرنا وافىٰ الحِمَامَ بنفسه         

                                         لما مسّه في الله لا يتوجعُ

وذكر أيضاً ممن ثبت مع النبي ﷺ: قثم بن العباس، وجعفر بن أبي سفيان بن الحارث، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب.

فلما رجع أصحاب النبي ﷺ الذين فروا إليه تجالد الفريقان مجالدة شديدة، ونظر رسول الله ﷺ إلىٰ الحرب، وقال: «هذا حين حمي الوطيس»([1]).

 

([1])             أخرجه مسلم (1775).