غزوة حنين سنة (8هـ)
14-03-2023
في السنة الثامنة كانت غزوة حنين وتسمىٰ «أوطاس» وتسمىٰ «هوازن»؛ لأن الغالبية ممن قاتل النبي ﷺ هم من هوازن، وهذه الغزوة كانت بعد أن سمع النبي ﷺ أن بطون هوازن وثقيف اجتمعت إليهم نَصْر وجَشْم وسعد بن بكر وناسٌ من بني هلال اجتمعوا كلهم علىٰ رجل يقال له: مالك بن عوف النصري، وقررت هذه القبائل أن تقاتل النبي ﷺ.
سمع النبي ﷺ بخروجهم، وكان قد أرسل رجلاً، فقال: إني انطلقت من بين أيديكم حتىٰ طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن عن بكرة أبيها بظعنهم ونعمهم وشائهم قد اجتمعوا إلىٰ حنين، فتبسم النبي ﷺ وقال: «تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله»([1]).
أَمَرَ مالك بن عوف النصري الناس أن يسوقوا معهم أموالهم، وأن يُخرجوا معهم أبناءهم ونساءهم؛ ليشعر كل رجل منهم وهو يقاتل أن ثروته وحرمته وراءه، فلا يفرّ عنها.
ولما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس، وكان معهم رجل معروف بالحرب في زمنه، ولكنه قد شاخ ويبقىٰ له الرأي، يقال له دريد بن الصِّمَّة، وكان شجاعاً مجرباً، فقال دريد للناس: بأي واد أنتم؟ قالوا: أوطاس. قال: نِعم مجال الخيل، لا حَزْنٌ ضَرْس ولا سهلٌ دَهْس.
أي ليس هو بالوعر، ولا بالناعم الذي لا تستطيع أن تجري فيه الخيل.
ثم قال: ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصبي وثغاء الشاة؟ قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس نساءهم وأموالهم وأبناءهم. فدعا مالكاً وسأله: لماذا فعلت ذلك؟ فقال: أردت أن أجعل خلف كل رجلٍ أهله وماله ليقاتل عنهم. فقال له دريد: إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فُضحت في أهلك ومالك. فقال له مالك: والله ما أفعل، إنك قد كَبُرت وكَبُر عقلك([2])، والله لتطيعنّي هوازن، أو لأتكأنّ علىٰ هذا السيف حتىٰ يخرج من ظهري.
وكره مالك أن يكون لدريد رأي في هذه الحرب، فقالوا لمالك: أطعناك. فقال دريد: هذا يوم لم أشهده ولم يفتني، ثم قال:
يا ليتني فيها جَذَع
أخبُّ فيها وأَضَع
أقودُ وضْفاء الدَمَع
كأنها شاة صَدَع
يعني يتمنىٰ أن لو كان شاباً قوياً جلداً، حتىٰ يقاتل النبي ﷺ.
نُقلت الأخبار إلىٰ النبي ﷺ وسمع بخروج هؤلاء لقتاله، فبعث النبي ﷺ أبا حدرد الأسلمي، وأمره أن يدخل في الناس، فيقيم فيهم حتىٰ يعلم علمهم.
فخرج الرجل وأتاه بالخبر، وقد ذُكِرَ للنبي ﷺ أن صفوان بن أمية، عنده أدراع وسلاح فأرسل إليه. فلما جاءه قال له: «يا أبا أمية، أعرنا سلاحك هذا نلقىٰ به عدونا غداً». فقال صفوان: أغصباً يا محمد؟ قال: «لا. بل عاريّةٌ مضمونة حتىٰ نؤديها إليك». فأعطاه إياها([3]).
وهذا كان قبل إسلام صفوان، وهذه الاستعانة من النبي ﷺ من باب الاستعانة بالكفار في الحرب.
([3]) أخرجه أحمد (15302، 27636)، وأبو داود بنحوه (3562)، والنسائي في «الكبرى» (5747).