لما اطمأن رسول الله ﷺ بعد الفتح؛ بعث خالد بن الوليد إلىٰ العُزَّىٰ ليهدمها، وبعث عمرو بن العاص ليهدم سواعاً، وبعث سعد بن زيد ليهدم مناة، فهذه أصنام الجاهلية.

أما خالد بن الوليد؛ فخرج إلىٰ العُزَّىٰ وكانت بنخلة([1])، وكانت لقريش وجميع كنانة، قال أبو سفيان في غزوة أحد بعد أن انتهت المعركة: لنا العزىٰ ولا عزىٰ لكم. فالعزىٰ هي صنم قريش، وهي أعظم أصنامهم، وكان بنو شيبان سدنتها، فخرج إليها خالد في ثلاثين فارساً حتىٰ انتهىٰ إليها فهدمها، ثم رجع إلىٰ رسول الله ﷺ فقال له النبي ﷺ: «هل رأيت شيئاً؟». قال: لا. قال: «فإنك لم تهدمها، فارجع إليها فاهدمها». فرجع خالد وقد جرّد سيفه، فخرجت إليه امرأة سوداء عريانة ناشرة الرأس، وهذه جنية كانت مع العزىٰ، فجعل السّادن المسؤول عن الصنم يصيح بها، فضربها خالد فجزلها اثنتين، ثم رجع إلىٰ رسول الله ﷺ فأخبره، فقال: «تلك العزىٰ، قد أَيِسَت أن تُعبد في بلادكم أبداً»([2]).

أما عمرو بن العاص؛ فقد أمره الرسول ﷺ بهدم سواع، وهو صنم لهذيل، علىٰ ثلاثة أميال من مكة، فلما جاءه عمرو قابله السّادن وقال له: ماذا تريد؟ قال: أمرني رسول الله ﷺ أن أهدمه. قال: لا تقدر علىٰ ذلك. قال: لِمَ؟ قال: تُمنع. قال: حتىٰ الآن أنت علىٰ الباطل؟ ويحك فهل يسمع أو يُبصر؟! ثم دنا عمرو إليه فكسره، وأمر أصحابه فهدموا بيت خزانته، فلم يجدوا شيئاً. ثم قال عمرو للسّادن: كيف رأيت؟ مُنعت؟ قال: أسلمت لله([3]).

وخرج سعد بن زيد الأشهلي إلىٰ مناة، وكانت للأوس والخزرج، فلما انتهىٰ إليها سعد قال له سدنتها: ما تريد؟ قال: أريد هدم مناة. قالوا: أنت وذاك. فأقبل فخرجت إليه امرأة سوداء عريانة ثائرة الرأس، تدعو بالويل وتضرب صدرها. فقال لها السادن: مناة، دونك بعض عصاتك. أي يطلب منها أن تفعل شيئاً لمن عصاها. فضربها سعد فقتلها، وأقبل إلىٰ الصنم فهدمه([4]).

وكانت السدنة تقول للعزىٰ ومناة وغيرها: دافعي وادفعي، ولكنها لا تستطيع عمل شيءٍ. كما قيل:

يا عِزُّ شدي شدة لا سواكها

                             علىٰ خالد ألقِ الخمار وشمّري

فإنك إلا تقتلي المرء خالداً  

                                  تبوئي بذنب عاجلٍ وتقصّري

إنها أصنام لا تُغني شيئاً، قال تعالىٰ: ﴿قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ﴾ [الشعراء: 72 ــ 73].

وهكذا فتح الله تبارك وتعالىٰ مكة لنبيه ﷺ، وعاد إليها بعد أن أخرجه قومه منها.

وكان فتح مكة فتحاً من جميع الوجوه هو فتحٌ عسكري، وفتحٌ اجتماعي، وفتحٌ ديني، وفتحٌ من أوجه كثيرة، قال الله تبارك وتعالىٰ: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النصر: 1 ــ 3].

بعده دخل العرب أفواجاً في دين الله تبارك وتعالىٰ، لأن قريشاً كانت في نظر العرب حماة الدين وأنصاره، والعرب في ذلك تبع لقريش، وهو مصداق قول النبي ﷺ: «الناس تبع لقريش في الخير والشر»([5]).

ولذلك صار من القواعد المؤصلة والثابتة عن النبي ﷺ أن الإمامة في قريش، لكونهم قادة، يقول النبي ﷺ: «الأئمة من قريش»([6]).

 

([1])             مكان قرب مكة.

([2])            أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (2/146).

([3])            المصدر السابق (2/146).

([4])            «طبقات ابن سعد» (2/146).

([5])            أخرجه مسلم (1815)، من حديث جابر رضي الله عنه.

([6])            أخرجه أحمد (12307، 12900)، من حديث أنس رضي الله عنه.