موقف إيماني
13-03-2023
قدم أبو سفيان المدينة، فدخل علىٰ ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس علىٰ فراش رسول الله ﷺ طوته عنه، فقال: يا بنيّة أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟
أي هل أبعدت الفراش إكراماً لي أم أبعدتيه إكراماً للفراش عني.
فقالت: بل هو فراش الرسول ﷺ، وأنت رجل مشركٌ نجس. فقال: والله لقد أصابك بعدي شر([1]).
وهذه القصة إسنادها ضعيف، ولكن لا يبعد أن تكون قد وقعت.
ثمّ خرج أبو سفيان من عند ابنته حتىٰ أتىٰ رسول الله ﷺ فكلمّه، فلم يرد النبي ﷺ عليه شيئاً، فذهب إلىٰ أبي بكر فكلّمه أن يكلّم رسول الله ﷺ فقال: ما أنا بفاعل. ثمّ أتىٰ عمر بن الخطاب فكلّمه فقال: أأنا أشفع لكم إلىٰ رسول الله؟ والله لو لم أجد إلا الذَر([2]) لجاهدتكم به.
ثمّ جاء أبو سفيان ودخل علىٰ علي بن أبي طالب وعنده فاطمة فقال: يا علي، إنك أمس الناس بي رحماً([3])، وإني قد جئت في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائباً، اشفع لي إلىٰ محمد. فقال علي: ويحك يا أبا سفيان، لقد عزم رسول الله ﷺ علىٰ أمر ما نستطيع أن نكلّمه فيه.
وهذا من أدب علي رضي الله عنه مع رسول الله ﷺ، فالتـفت أبو سفيان إلىٰ فاطمة وقال: هل لك أن تأمري ابنك هذا ــ أي الحسن رضي الله عنه ــ فيجير بين الناس، فيكون سيد العرب إلىٰ آخر الدهر؟ فقالت: والله ما يبلغ ابني ذلك أن يجير بين الناس. ثمّ تأتي الكلمة الطيبة التي قالتها فاطمة رضي الله عنها: وما يجير أحد علىٰ رسول الله ﷺ.
فلما يئس أبو سفيان قال: يا أبا الحسن، إني أرىٰ الأمور قد اشتدت عليَّ، فانصحني. فقال علي: والله ما أعلم لك شيئاً يغني عنك، ولكنك سيد بني كنانة([4]) فقمْ، فأَجِرْ بين الناس، ثم الحق بأرضك. قال: أوَ ترىٰ ذلك مغنياً عني شيئاً؟ قال: لا والله ما أظنّ، ولكني لا أجد غير ذلك.
فقام أبو سفيان في المسجد، فقال: أيها الناس، إني قد أجرت بين الناس، ثم ركب بعيره وانطلق. ولما قدم علىٰ قريش، قالوا: ما وراءك؟ قال: جئت محمداً فكلمته، فوالله ما رد عليّ شيئاً، ثم جئت ابن أبي قحافة فلم أجد فيه خيراً، ثم جئت عمر بن الخطاب فوجدته أدنىٰ العدو، ثم جئت علياً فوجدته ألين القوم، قد أشار عليّ شيئاً فصنعته، فوالله ما أدري هل يغني عني شيئاً أم لا؟ قالوا: وبم أمرك؟ قال: أمرني أن أجير بين الناس، ففعلت.
فقالوا: هل أجاز ذلك محمد؟ قال: لا. قالوا: ويلك، إن زاد الرجل أن لعب بك. قال: لا والله ما وجدت غير هذا.
عند ذلك أمر النبي ﷺ الناس بالجهاز وأعلمهم أنه سائر إلىٰ مكة ﷺ، وقال: «اللَّهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتىٰ نبغتها في بلادها»([5]).
([1]) أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (8/100).
([3]) وذلك أن علي بن أبي طالب وأبا سفيان والرسول ﷺ يلتقون في عبد مناف.