فتح مكة سنة (8 هـ)
13-03-2023
قال ابن القيم رحمه الله عن فتح مكة: «هو الفتح الأعظم الذي أعزَّ الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدىًٰ للعالمين من أيدي الكفار والمشركين، وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء، وضُربت أطناب عزّه علىٰ مناكب الجوزاء، ودخل الناس به في دين الله أفواجاً، وأشرق به وجه الأرض ضياءً وابتهاجاً»([1]).
هذا هو فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة، وكان سبب ذلك الفتح أن النبي ﷺ قد عقد صلح الحديبية مع كفار مكة، وكان من شروط ذلك الصلح أنه من أراد من قبائل العرب أن يدخل في حلف وعهد النبي ﷺ دخل، ومن أراد أن يدخل في حلف قريش وعهدها دخل، فدخلت بنو بكر مع قريش في عهدها، ودخلت خزاعة مع النبي ﷺ في عهده.
وكان بين خزاعة وبني بكر ثأر في الجاهلية قبل أن يدخلوا في ذلك الحلف.
وقصته: أن رجلاً يقال له: مالك بن عبّاد، وكان حليفاً لآل الأسود بن رزين من بني بكر، خرج فلما توسط أرض خزاعة عدىٰ عليه أهل خزاعة فقتلوه، وأخذوا ماله، وذلك قبل الإسلام بمدة، عند ذلك عدت بنو بكر علىٰ رجل من خزاعة فقتلوه، فقامت خزاعة وعدت علىٰ ثلاثة من بني بكر فقتلوهم، فلما جاء الإسلام حجر بين الفريقين، وانشغلوا به عن أنفسهم وثأرهم، ولكن بني بكر مازال لهم ثأر عند خزاعة، فلما تمّ الصلح ودخلت خزاعة في عهد النبي ﷺ وبنو بكر في عهد قريش، اغتنمت بنو بكر فرصة أن خزاعة آمنة منهم وأرادوا أن يصيبوا ثأرهم القديم، فخرج نوفل بن معاوية الديلي في جماعة من بني بكر، وذلك في شهر شعبان من السنة الثامنة من الهجرة، فأغاروا علىٰ خزاعة ليلاً، وكان لخزاعة ماء يقال له: الوتير، فأصابوا منهم رجالاً، وتناوشوا واقتتلوا، فقامت قريش وأعانت بني بكر بالسلاح، وقاتل رجال من قريش كذلك في ظلمة الليل مع بني بكر ضد خزاعة، حتىٰ اضطروا خزاعة إلىٰ الحرم، وذلك أن خزاعة ما كانت متأهبة لحرب، فلما انتهوا لهذا المكان الحرام، قالت بنو بكر لقائدهم: يا نوفل إنّا قد دخلنا الحرم، إلهك إلهك. أي يُحرم عليك أن تقاتلهم في الحرم.
فقال نوفل ــ قبّحه الله ــ: لا إله اليوم يا بني بكر، أصيبوا ثأركم فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم أفلا تصيبون ثأركم فيه.
فدخلت خزاعة إلىٰ مكة، ولجؤوا إلىٰ دار بديل بن ورقاء الخزاعي، وإلىٰ دار مولىٰ لهم يقال له: رافع. وأسرع عمرو بن سالم الخزاعي إلىٰ رسول الله ﷺ، فلمّا دخل علىٰ رسول الله ﷺ في المسجد قال:
يا ربّ إني ناشدٌ محمدا
حِلْفَ أبينا وأبيه الأتلدا
قد كنتمُ ولداً وكنا والدا
ثَمَّتَ أسلمنا ولم نَنْزع يدا
فانصرْ هداكَ اللهُ نصراً أيِّدا؟
وادعُ عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا
أبيضُ مثلُ البدرِ يسمو صعدا
إن سِيم خسفاً وجهُهُ تَرَبَّدا
في فيلقٍ كالبحر يجري مُزْبِدا
إن قريشاً أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا
وجعلوا لي في كَدَاء رَصَدا
وزعموا أن لست أدعو أحدا
وهم أذلُّ وأقلُّ عددا
هم بَيَّتونا بالوتير هُجَّدا
وقتلونا رُكَّعاً وسُجَّدا
عندها قال رسول الله ﷺ: «نُصرت يا عمرو بن سالم»([2]).
وهذه القصة في إسنادها ضعف، ولكن أهل السير اتفقوا علىٰ ذكرها، وليس كل شيء في السيرة يوجد له إسناد صحيح، ولذلك ذكر أهل العلم أن السيرة مما يتسامح فيها، بشرط أن لا يبني عليه أحكام ولا اعتقادات.
أحَسَّتْ قريش بسوء فعلها وبغدرها، فاضطرّت أن تبعث أبا سفيان قائدها ممثلاً لها ليقوم بتجديد العقد مع النبي ﷺ، وذلك ليعيد للعقد المهدر حرمته.