وفد علىٰ النبي ﷺ الحارث بن حسان البكري([1]).

قال الحارث: خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي ــ والي البصرة ــ إلىٰ رسول الله ﷺ، فمررت بالربذة، فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها، فقالت: يا عبد الله، إن لي إلىٰ رسول الله حاجة، فهل أنت مبلغي إليه؟ قال: فحملتها.

فأتيت المدينة فإذا المسجد غاصٌّ بأهله، وإذا راية سوداء تخفق وبلال متقلّد السيف بين يدي رسول الله ﷺ، فقلت: ما شأن الناس؟ قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجهاً([2])، قال: فجلست، فدخل منزله ــ أو قال: رحله ـ، فاستأذنت عليه. فأذن لي، فدخلت فسلمت، فقال: «هل كان بينكم وبين تميم شيء؟». قلت: نعم. وكانت الدائرة عليهم([3])، ومررت بعجوز من بني تميم منقطعٌ بها، فسألتني أن أحملها إليك وها هي بالباب فأذن لها، فدخلت.

فقلت: يا رسول الله، إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميمٍ حاجزاً فاجعل الدهناء، وفي رواية واجعل الدهناء لنا. فحميت العجوز([4])، واستوفزت. وقالت: يا رسول الله، أين يُضطر مُضَرك؟([5])

فقال البكري: إن مثلي ومثلك مثل ما قال الأول: مِعْزَىٰ حملت حتفها. حملتُ هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصماً.

قال: أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد. قال: «وما وافد عاد؟». فقال: إن عاداً قحطوا، فبعثوا وافداً لهم يقال له: قِيْلٌ. فمرّ بمعاوية بن بكر، فأقام عنده شهراً يسقيه الخمر، وتغنيه جاريتان. فلما مضىٰ الشهر خرج إلىٰ جبال «مهرة»، وقال: اللَّهم إنك تعلم لم آت إلىٰ مريض فأداويه، ولا إلىٰ أسير فأفاديه، اللَّهم اسق عاداً ما كنت تسقيه. فمرّت به سحابات سود، فنودي منها: اختر. فأومىٰ إلىٰ سحابة منها سوداء، فنودي منها: خذها رماداً رمداً، لا تبقي من عادٍ أحداً.

قال: فما بلغني أنه أُرسل إليهم من الريح إلا بقدر ما يجري بخاتمي هذا حتىٰ هلكوا([6]).

أي إن هذا الرجل بدل من أن يطلب لهم المطر طلب لهم العذاب وهو لا يشعر.

 

([1])             وفد الحارث علىٰ النبي في السنة الثامنة وإنما ذكر هنا لارتباطه بذكر الوفود.

([2])            يرسله إلىٰ ذات السلاسل.

([3])            غلبناهم.

([4])            أي: غضبت.

([5])            يعني أنت من مضر، وتميم من مضر، وهذا بكري من ربيعة، فكيف تكون معه ضد مضر.

([6])            أخرجه أحمد (15996)، والترمذي مختصراً (3273).