إسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه
13-03-2023
قال خالد بن الوليد رضي الله عنه: لما أراد الله بي من الخير ما أراد قذف في قلبي حب الإسلام وحضرني رشدي، وقلت: قد شهدت هذه المواطن كلها علىٰ محمد، فليس موطن أشهده إلا وأنصرف، وإني أُرىٰ في نفسي أني مُوْضَع في غير شيء، وأن محمداً سيظهر، فلما خرج رسول الله ﷺ إلىٰ الحديبية خرجت في خيل المشركين، فلقيت رسول الله وأصحابه بعُسفان([1]) فقمت بإزائه وتعرضت له([2])، فصلىٰ الرسول ﷺ بأصحابه آمناً منّا، فهممت أن أغير عليه وهو في الصلاة، ثم لم يُعزَم لنا([3])، ولقد كانت فيه خِيِرة.
فاطّلع علىٰ ما في أنفسنا من الهَمِّ به، فصلىٰ بأصحابه العصر صلاة الخوف، فوقع ذلك منّي موقعاً، فقلت: الرجل ممنوع، ثم افترقنا وعدل عن سَنَنِ خيلنا، وأخذت ذات اليمين، فلما صالح قريشاً في الحديبية، ودافعته قريش بالراحة([4])، قلت في نفسي: أي شيء باقي؟ أين المذهب؟ إلىٰ النجاشي فقد اتبع محمداً، وأصحابه آمنون عنده، فأخرج إلىٰ هرقل، فأخرج من ديني إلىٰ نصرانية أو يهودية فأقيم مع عجمٍ تابعاً، أو أقيم في داري فمن يبقىٰ؟ فأنا علىٰ ذلك إذ دخل رسول الله ﷺ في عمرة القضية، وتغيبت فلم أشهد دخوله، وكان أخي الوليد بن الوليد قد دخل مع النبي ﷺ في عمرة القضية، فطلبني فلم يجدني، فكتب إليّ كتاباً ــ وفي هذا الكتاب خير عظيم ــ، فلما قرأت الكتاب فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإني لم أرَ أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام، وعقلُك عقلُك، ومثل الإسلام جهِلَه أحد؟ وقد سألني رسول الله ﷺ فقال: «أين خالد؟». فقلت: يأتِ الله به. فقال: «ما مثل خالدٍ جهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وجِدّه مع المسلمين علىٰ المشركين لكان خيراً له، ولقدَّمناه علىٰ غيره». فاستدرك يا أخي ما فاتك منه، فقد فاتتك مواطن صالحة([5]).
قال خالد: فلما جاءني كتابه نشطت للخروج، وزادني رغبةً في الإسلام، وسرّني مقالة رسول الله ﷺ، وأُرىٰ في النوم كأني في بلاد ضيقة جديبة، فخرجت إلىٰ بلد أخضر وأوسع، فقلت: إنّ هذه لرؤيا. فقدمت المدينة فقلت: لأذكرنّها لأبي بكر ــ يعني بعد إسلامه ــ. قال: فذكرتها له. فقال: هو مخرجك الذي هداك الله للإسلام، والضيق الذي كنت فيه الشرك.
قال: فلما أجمعت أن أذهب إلىٰ النبي ﷺ قلت: من أصاحب إلىٰ محمد؟ فلقيت صفوان بن أمية، فقلت: يا أبا وهب أما ترىٰ ما نحن فيه؟ إنما نحن أكلة رأس([6])، وقد ظهر محمد علىٰ العرب والعجم، فلو قدمنا علىٰ محمد فاتبعناه، فإن شرف محمد شرف لنا، فأبىٰ أشد الإباء، وقال: لو لم يبق غيري من قريش ما اتبعته أبداً. فافترقنا، فقلت: هذا رجل موْتُور، يطلب وتراً، قُتل أبوه وأخوه ببدر.
قال خالد: فلقيت عكرمة بن أبي جهل، فقلت له مثلما قلت لصفوان، فقال لي مثلما قال صفوان. قلت: فاطوِ ما ذكرت لك. قال: لا أذكره.
فخرجت بعدها إلىٰ منزلي، فأمرت براحلتي تُخرَج إليّ إلىٰ أن ألقىٰ عثمان ابن طلحة، فقلت: إن هذا لي لصديق، ولو ذكرت له ما أريد، ثم ذكرت من قُتل من آبائه، فكرهت أُذَكِّرَه.
ثم قلت: وما عليّ وأنا راحل في ساعتي، فذكرت له ما صار الأمر إليه، وقلت: إنما نحن بمنزلة ثعلب في جحر، لو صُبَّ عليه ذَنوب من ماء خرج، كما قلت له نحو ما قلت لصاحبي. فأسرع الإجابة وقال: لقد غدوت اليوم وأنا أريد أن أغدو، وهذه راحلتي بِفَخٍّ مُنَاخَة([7]).
فابتعدت أنا وهو بيأجُج([8]) إن سبقني أقام وإن سبقته أقمت، فأدلجنا سُحرة([9])، فلم يطلع الفجر حتىٰ التقينا بيأجج فغدونا حتىٰ التقينا بالهدة([10])، فنجد عمرو بن العاص بها، فقال: مرحباً بالقوم. قلنا: وبك. قال: أين مسيركم؟ قلنا: ما أخرجك؟ قال: فما الذي أخرجكم؟ قلنا: الدخول في الإسلام، واتباع محمد ﷺ. قال: وذلك الذي أقدمني.
قال: فاصطحبنا جميعاً، حتىٰ قدمنا المدينة، فأنخنا بظاهر الحرة، وأُخبِر بنا رسول الله ﷺ فسُرّ بنا، فلبست من صالح ثيابي، ثم عمدت إلىٰ رسول الله ﷺ فلقيني أخي([11])، قال: أسرع، فإن رسول الله ﷺ قد أُخبر بك فَسُرَّ بقدومك، وهو ينتظركم. قال: فأسرعت المشي، فطلعت فما زال يتبسم إليّ حتىٰ وقفت عليه، فسلمت عليه بالنبوة([12]). فردّ عليّ السلام بوجه طِلقٍ.
فقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. فقال رسول الله ﷺ: «الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرىٰ لك عقلاً، ورجوت ألا يُسْلِمَكَ إلا إلىٰ خير». قلت: يا رسول الله، قد رأيتَ ما كنت أشهد من تلك المواطن عليك معانداً عن الحق، فادعُ الله يغفرها لي. فقال رسول الله ﷺ: «الإسلام يَجُبُّ ما كان قَبلُه».
قلت: يا رسول الله علىٰ ذلك([13])، فقال: «اللَّهم اغفر لخالد بن الوليد كلما أوضع من صدٍ عن سبيلك». قال خالد: وتقدّم عمرو وعثمان، فبايعا رسول الله ﷺ، وكان قدومنا في صفر سنة ثمانٍ من الهجرة([14]).
([3]) لم يقدّر الله له القتال.
([5]) إي والله، فقد فاتته بدر وأحد والخندق وبيعة الرضوان والحديبية وخيبر.
([8]) المكان نفسه الذي وقف فيه النبي ﷺ لما ذهب إلىٰ عمرة القضاء.