القلوب أمرها إلىٰ الله
13-03-2023
أخرج الإمام البخاري رحمه الله في «صحيحه»([1]) عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ التقىٰ هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله ﷺ إلىٰ عسكره ومال الآخرون إلىٰ عسكرهم وفي أصحاب رسول الله ﷺ رجل لا يدع لهم شاذّة ولا فاذّة إلا اتبعها يضربها بسيفه فقيل: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان فقال رسول الله ﷺ: «أما إنه من أهل النار».
فقال رجل من القوم: أنا صاحبه، فخرج معه، فكلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه؛ لأنه يعلم يقيناً أن النبي ﷺ لا ينطق عن الهوىٰ، فجرح الرجل جرحاً شديداً فاستعجل الموت، فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه([2])، ثم تحامل علىٰ سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل الذي تابعه إلىٰ رسول الله ﷺ فقال: أشهد أنك رسول الله. قال: «وما ذاك؟». قال: الرجل الذي ذكرت آنفاً أنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك، فقلت: أنا لكم به، فخرجت في طلبه، ثم جُرح جرحاً شديداً فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه. فقال رسول الله ﷺ عند ذلك: «إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة»([3]). وفي بعض طرق هذا الحديث أن هذه القصة وقعت في خيبر.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: شهدنا خيبر فقال رسول الله ﷺ لرجل ممن معه يدعي الإسلام: «هذا من أهل النار»، فلما حضر القتال قاتل الرجل أشد القتال حتىٰ كثرت به الجراح، فكاد بعض الناس يرتاب([4])، فوجد الرجل ألم الجراح، فأهوىٰ بيده إلىٰ كنانته، فاستخرج منها أسهماً، فنحر بها نفسه، فاشتد رجال من المسلمين فقالوا: يا رسول الله صدّق الله حديثك، انتحر فلان قتل نفسه، فقال رسول الله ﷺ: «قم يا فلان، فأذّن أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر»([5]).
فعلىٰ الإنسان ألّا يحكم علىٰ الناس من ظاهرهم، وقد بوّب الإمام البخاري باباً في صحيحه: «لا يقال فلان شهيد»؛ لأن هذا الإنسان ظاهره شهيد، ومع هذا أخبرهم النبي ﷺ أن باطنه خلاف ظاهره، وجاء ببعض طرق الحديث أنه قيل له: قاتلت وفعلت. قال: إنما قاتلت دفاعاً عن قومي. فلا يشهد لشخص معين أنه في الجنة أو في النار أو أنه شهيد أو غير ذلك، وإنما يقول كما قال النبي ﷺ: «من كان منكم مادحاً أخاه لا محالة؛ فليقل: أحسب فلاناً ــ والله حسيبه ــ ولا أزكي على الله أحداً»([6]).
([4]) أي يرتاب كيف يقاتل هذا الرجل قتالاً شديداً ثم يكون من أهل النار.
([6]) أخرجه البخاري (2662)، ومسلم (3000)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.