عسىٰ أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً
13-03-2023
رجع النبي ﷺ إلىٰ المدينة فجاءه أبو بصير ــ رجل من قريش ــ وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين، فقالوا: العهد الذي جعلت لنا. فدفع النبي ﷺ أبا بصير إلىٰ الرجلين؛ لأنه لا يغدر ﷺ، فخرجا بأبي بصير حتىٰ بلغوا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم. فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرىٰ سيفك يا فلان لا يخيب. فاستله وقال: أجل والله إنه كذلك لقد جربت به ثم جربت به ثم جربت. فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه فأمكنه منه فضربه به حتىٰ بَرَد([1]).
وفرّ الآخر حتىٰ أتىٰ المدينة فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله ﷺ حين رآه: «لقد رأىٰ هذا ذعراً». فلما انتهىٰ إلىٰ النبي ﷺ قال: قُتِل والله صاحبي وإني لمقتول. فجاء أبو بصير ومعه السيف فقال: يا نبي الله قد والله أوفىٰ الله ذمتك قد رددتني عليهم ثم أنجاني الله منهم. فقال النبي ﷺ: «مِسْعَر حرب». فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج من المدينة حتىٰ أتىٰ سِيْفَ البحر، وانفلت أبو جندل مرة ثانية، فذهب إلىٰ أبي بصير عند سيف البحر، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتىٰ اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بعِير خرجت لقريش إلىٰ الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلىٰ النبي ﷺ تناشده الله والرحم من أتاه فهو آمن، فأرسل الرسول ﷺ إليهم موافقته: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةَ فَأَنْزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الفتح: 24 ــ 26]([2]).
يقول الله تبارك وتعالىٰ: ﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ﴾ أي: كَفَّ القتال بالصلح الذي كان بينهم من بعد أن أظفركم عليهم أي كان الله تبارك وتعالىٰ سيظفر النبي ﷺ علىٰ أهل مكة كما أظفرهم الله في الخندق وفي بدر.
قال: ﴿ هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي أهل مكة ﴿ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ﴾ لما خرج النبي ﷺ ومن معه معتمرين. ﴿ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ أي منعوا الهدي أن يبلغ محله وأن ينحر عند البيت. يقول: ﴿ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُوهُمْ﴾ أي الضعفاء كأبي جندل وأبي بصير وغيرهم من المؤمنين الذين كانوا في مكة ولا يستطيعون الهجرة. يقول: ﴿ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُوهُمْ﴾ أي قد تقتلون من المؤمنين وأنتم لا تعلمون.
يقول: ﴿ فتصيبكم منهم معرة بغير علم﴾ أي تعيرون بعد ذلك بهذا ويقال قتلتم أصحابكم وقتلتم المؤمنين بغير علم منكم أن هؤلاء من المؤمنين. قال: ﴿ لِيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ أي من عباده. قال: ﴿ لَوْ تَزَيَّلُوا﴾ أي لو انفصل المؤمنون الذين في مكة عن الكافرين ﴿ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ أي السبب في عدم تعذيب الله لأهل مكة هو وجود الضعفاء من المؤمنين داخل مكة.
قال: ﴿ إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةَ﴾ ، وذلك في قولهم إنه من خرج من عندنا مؤمناً تعيده لنا مرة ثانية. قال: ﴿ فَأَنْزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾