جاء جبريل عليه السلام إلى النبي ﷺ فقال: أَوَضعتم السلاح؟ فقال: «نعم». قال جبريل: أما نحن فلم نضع أسلحتنا بعد، اِنْـهَد إلىٰ القوم([1])، يأمرك الله بهذا.

فخرج النبي ﷺ وأمر الناس وقال: «لا يصلينّ أحد العصر إلا في بني قريظة»([2])، فخرج المسلمون استجابةً لأمر النبي ﷺ إلىٰ بني قريظة، وعجّلهم وأعطىٰ الراية لعلي بن أبي طالب، واستخلف ابن أم مكتوم علىٰ المدينة، وجاء حتىٰ نزل عند حصون بني قريظة، وحاصرهم خمساً وعشرين ليلة، وعرض عليهم سيدهم كعب بن أسد فقال: إما أن تسلموا وتدخلوا مع محمد ﷺ في دينه، وإما أن تقتلوا ذراريكم وتخرجوا وتقاتلوا حتىٰ تقتلوا عن آخركم، وإما أن تهجموا علىٰ رسول الله ﷺ وأصحابه يوم السبت حين يأمن المسلمون شركم. فرفضوها كلها.

فقال لهم: والله إنكم حُمُر([3])، ولا شيء تقبلونه، فخرج عند ذلك أحدهم وقال: يا رسول الله ننـزل علىٰ حكم سعد بن معاذ. وذلك أن عبد الله بن أُبَيّ ابن سلول ــ كما مر سابقاً ــ شفع في بني قينقاع فتركهم النبي ﷺ له، فهؤلاء أرادوا حكم سعد بن معاذ؛ لأنه كان حليفاً لهم في الجاهلية. فقالوا: لعله يدافع عنا كما دافع عبد الله ابن أبي بن سلول عن بني قينقاع، وما علموا الفرق بين عبد الله ابن أبي بن سلول ــ رأس المنافقين ــ وبين سعد بن معاذ من رؤوس المتقين رضي الله عنه، فقالوا: ننزل علىٰ حكم سعد بن معاذ كما نزل إخواننا علىٰ حكم عبد الله بن أُبَيّ بن سلول.

فأمر النبي ﷺ بسعد بن معاذ أن يؤتىٰ به، وكان قد أصيب في أكحله رضي الله عنه، فلما جاء قال النبي ﷺ: «قوموا إلىٰ سيدكم» أي سعد بن معاذ رضي الله عنه، وأنزلوه من علىٰ الحمار الذي جاء به، فقال النبي ﷺ: «احكم في مواليك»، فصاروا يصيحون به: أحسن أبا عمرو في مواليك كما أحسن غيرك. فقال سعد بن معاذ: آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم. فقال: إن حكمي فيهم أن يقتل مقاتلتهم، وتسبىٰ ذراريهم. فقال رسول الله ﷺ: «لقد حكمت فيهم بحكم الله»([4])، فأمر النبي ﷺ بقتل رجالهم وسبي ذراريهم ونسائهم.

 

([1])             أي اخرج إلىٰ بني قريظة.

([2])            أخرجه البخاري (946)، ومسلم (1770)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

([3])            جمع حمار.

([4])            أخرجه البخاري (3043)، ومسلم (1768)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.