وفي الطريق وقعت حادثة لعمرو بن أمية رضي الله عنه، وذلك أنه نـزل في ظل شجرة، فجاءه رجلان من بني كلاب فنـزلا معه، فلما ناما أخذ السيف وقتلهما، كان يظن أنهما ممن شارك في قتل أصحابه رضي الله عنه، فلما قتلهما وجد معهما كتاباً فيه عهد من رسول الله ﷺ، فقدم وأخبر النبي ﷺ بما فعل، فقال رسول الله ﷺ: «لقد قتلت قتيلين، لأدينّهما»([1]). وانشغل بجمع ديتيهما ﷺ، فجمع من أصحابه وطلب من بني النضير، وذلك أن في صلب المعاهدة بينهم وبين النبي ﷺ أنهم يشاركون في الديات، فكانت بعد ذلك سبباً لغزوة بني النضير.

ولا شك أن النبي ﷺ تألم جداً لهذه المأساة والتي قبلها «الرجيع»، وصار يدعو علىٰ أولئك القوم في الصلاة شهراً كاملاً يقنت ويدعو عليهم: «اللَّهم عليك برعل وذكوان وعصية فإنها عصت ربها»([2])، وكان يلعنهم ﷺ في صلاته، حتىٰ أنـزل الله تبارك وتعالىٰ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلْأَمْرِ شَيءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران: 128] فترك النبي ﷺ القنوت عليهم، وذُكِرَ عن القتلىٰ أنهم قالوا: بلّغوا قومنا أنا لقِينا ربنا فرضيَ عنّا ورضينا عنه، وترك الدعاء علىٰ المشركين.

 

([1])             أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (20/356).

([2])            أخرجه البخاري (2814)، من حديث أنس رضي الله عنه.