بئر معونة
13-03-2023
قدم أبو البراء عامر بن مالك ملاعب الأسنة علىٰ رسول الله ﷺ المدينة، فدعاه النبي ﷺ إلى الإسلام، فأظهر ليناً وأظهر نوع استجابة للنبي ﷺ، ولكنه لم يسلم، وقال للنبي ﷺ: يا رسول الله، لو بعثت أصحابك إلىٰ أهل نجد يدعونهم إلىٰ دينك لرجوت أن يجيبوهم. فقال النبي ﷺ: «إني أخشى عليهم أهل نجد». فقال أبو البراء: أنا جار لهـم، فبعث النبـي ﷺ معه سبعين رجلاً، وأمّر عليهم المنذر بن عمرو ــ أحد بني ساعدة ــ، وكان هؤلاء السبعون من خيار المسلمين، ذهبوا ينشرون دين الله تبارك وتعالىٰ في أهل نجد، فساروا يتدارسون القرآن ويصلون بالليل حتىٰ نـزلوا مكاناً يقال له: بئر معونة.
ثم بعثوا حرام بن ملحان ــ خال أنس بن مالك رضي الله عنه ــ بكتاب الرسول ﷺ إلىٰ عدو الله عامر بن الطفيل، فقال له: هذا كتاب رسول الله ﷺ، فرمىٰ بالكتاب قبل أن يقرأه، ثم أمر رجلاً فطعن حرام بن ملحان بظهره رضي الله عنه، فلما نفذ الرمح في ظهره قال: الله أكبر فزت ورب الكعبة. هكذا يرون أن هذا نصر وفوز؛ لأنه نال الشهادة في سبيل الله.
ثم قام عامر بن الطفيل واستنفر الناس، وقال: القتالَ القتالَ، فامتنع عنه كثير من الناس لجوار أبي البراء ملاعب الأسنة؛ لأنه قال: إنهـم في جـواري، ولكن هذا الخبيث عامر بن الطفيل ردَّ جوار أبي البراء، وصار يستنفر الناس ويقول: قوموا نقتلهم، فرصة مهيأة وغنيمة باردة، وقام معه رجال من عصية ورعل وذكوان ــ قبائل عربية ــ فجاؤوا وأحاطوا بأصحاب رسول الله ﷺ، فقاتلوا حتىٰ قتلوا عن آخرهم فلم ينجُ منهم إلا ثلاثة: كعب بن زيد سقط مع القتلىٰ، ولكنه لم يمت، وبقيت فيه الروح فتركوه ومشوا ظناً منهم أنه مات، ثم هرب رضي الله عنه، وعمرو بن أمية الضمري، والمنذر بن عقبة، وهما كانا بعيدين عن القتال؛ لأنهما كانا مع خيل المسلمين فلم يكونا معهم، ولكنهما رأيا الطير تحوم من بعيد فلما اقتربا وجدا المشركين قد قتلوا أصحابهم، فقام المنذر وصار يقاتل المشركين فقتلوه رضي الله عنه، أمـا عمـرو بن أمية فأُسِـر ثم تركه عامر بن الطفيل لأن علىٰ أمه عتق رقبة فهذه رقبة أعتقها، فرجع عمرو إلىٰ النبي ﷺ يخبره بهذه النكبة وبقتـل هـؤلاء السـبعين من أصحاب النبي ﷺ([1]).
([1]) أخرجه مختصراً البخاري (2801)، ومسلم (677)، من حديث أنس رضي الله عنه.