اشتد القتال بين المسلمين وأهل مكة، وقتلوا من أهل مكة كثيراً، واستشهد في هذه المعركة عم الرسول ﷺ، أسد الله وأسد رسوله: حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، قتله رجل يقال له: وحشي بن حرب، ويحدثنا وحشي بن حرب عن قتله لحمزة، قال: كنت غلاماً لجبير بن مطعم، وكان عم جبير بن مطعم ــ وهو طعيمة بن عدي ــ قد أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلىٰ أُحد قال لي جبير: إنّك إن قتلت حمزة عمَّ محمد بعمّي فأنت عتيق([1]).

قال: فخرجت مع الناس وكنت رجلاً حبشياً أقذف بالحربة قلّما أُخطئ بها شيئاً، فلما التقىٰ الناس خرجت أنظر حمزة وأتبعه ببصري، حتىٰ رأيته في عرض الناس مثل الجمل يهدّ الناس هداً ما يقوم له شيء، فوالله إني لأتهيأ له أريـده فأستـتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مـني، إذ تقدمـني إلـيه سباع بن       عبد العزّىٰ، فلمّا رآه حمزة قال له: هلمّ إليَّ يا ابن مقطّعة البظور([2])، فضربه ضربة فكأنما أخطأ رأسه([3]) هنا هززت حربتي حتىٰ إذا رضيت منها دفعتها إليه، فوقعت في أحشائه حتىٰ خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي، فغُلب فتركته وإياها حتىٰ مات، ثمّ أتيت بعد ذلك فأخذت حربتي، ورجعت إلىٰ العسكر فقعدت فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة، وإنمـا قتـلته لأعتـق فلما قدمت مكة عتقت([4]).

والعجيب أن وحشي بن حرب بعد ذلك أسلم وتاب، فكان أن وفقه الله تبارك وتعالىٰ إلىٰ قتل مسيلمة الكذّاب، فيقول: قتلت ولي الله وقتلت عدو الله.

 

([1])             وبعد هذه أسلم جبير، وحسن إسلامه.

([2])            أمه كانت تختن النساء.

([3])            يعني أصابه إصابة واحدة قطع رأسه بها.

([4])            أخرجه ابن إسحاق في «السيرة» (ص329)، وهو صحيح، وهذا يبطل ما اشتهر من أن هند بنت عتبة هي التي أرسلت وحشياً، أو أنها أكلت كبد حمزة رضي الله عنه وعنها.