حصار بني قينقاع
13-03-2023
عقد النبي ﷺ معاهدات مع اليهود في المدينة، وكان ممن عقد معهم المعاهدات بنو قينقاع، وكانوا شر الطوائف وأشجعهم، وكانوا يسكنون داخل المدينة في حي باسمهم: حي بني قينقاع، وكانوا صاغةً للذهب وحدادين وصنّاعاً للأواني، وكان عدد المقاتلين فيهم سبعمئة، وهم أول من نكث العهد والميثاق مع النبي ﷺ.
أخرج أبو داود([1]) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أصاب الرسول ﷺ قريشاً يوم بدر وقدم إلىٰ المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع، فقال لهم: «يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثلما أصاب قريشاً». قالوا: يا محمد لا يغرّنك من نفسك أنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تلقَ مثلنا. فأنـزل الله تبارك وتعالىٰ مدافعاً عن نبيه ﷺ: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي ٱلْأَبْصَارِ﴾ [آل عمران: 12 ــ 13].
وقد روىٰ ابن هشام في سيرته عن أبي عون: أن امرأة من العرب قدمت إلىٰ السوق بجلب لها([2]) فباعته في سوق بني قينقاع، وجلست إلىٰ صائغ، فجعلوا يريدونها علىٰ كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ إلىٰ طرف ثوبها فعقده إلىٰ ظهرها وهي لا تعلم، فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحك عليها اليهود، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين فقتل الصائغ، فقام اليهود وقتلوا المسلم، فاستصرخ أهل المسلم علىٰ اليهود، فوقع بينهم شر داخل السوق، عند ذلك قام النبي ﷺ واستخلف علىٰ المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر، وأعطىٰ لواء المسلمين حمزة بن عبد المطلب، وسار بجنود الله إلىٰ بني قينقاع.
ولما رأوه تحصنوا في الحصون داخل حَيِّهم، فحاصرهم أشد الحصار ﷺ في شوال في السنة الثانية من الهجرة، واستمر الحصار خمس عشرة ليلة، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فنـزلوا علىٰ حكم الرسول ﷺ في رقابهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، فأمر بهم النبي ﷺ فكتفوا، عندها قام الخبيث عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين فأَلَحَّ علىٰ رسول الله ﷺ أن يعفو عنهم، قال: يا محمد أحسن إلىٰ مواليِّ، وكانوا حلفاء الخزرج فسكت النبي ﷺ، فكرر مقالته فأعرض عنه النبي ﷺ، فأمسك بالنبي ﷺ فقال له النبي ﷺ: «أرسلني». ثمّ قال: «ويحك أرسلني». فقال المنافق: لا والله لا أرسلك حتىٰ تحسن في مواليَّ أربعمئة حاسر وثلاثمئة دارع منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة؟ إني والله امرؤ أخشىٰ الدوائر.
فقال النبي ﷺ: «هم لك»([3]). فوهبهم له، ولكن أمرهم أن يخرجوا من المدينة، وأن لا يجاوروه فيها، فخرجوا إلىٰ الشام.