المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
13-03-2023
ثم آخىٰ الرسول ﷺ بين المهاجرين والأنصار، وذلك في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلاً، نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار، آخىٰ بينهم علىٰ المواساة، وأنهم يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام، وذلك إلىٰ أن أنـزل الله تبارك وتعالىٰ بعد بدر: ﴿ وَأُولُو ٱلْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ [الأحزاب: 6] فرجع التوارث إلىٰ الأقارب.
ومعنىٰ هذا الإخاء: أن تذوب عصبيات الجاهلية، فلا حمية إلا للإسلام، وأن تسقط فوارق النسب واللون والوطن، فالقضية قضية تقوىٰ واتباع.
ولما قدم النبي ﷺ المدينة آخىٰ بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، فقال سعد لعبد الرحمن بن عوف: إني أكثر الأنصار مالاً، فأقسم مالي نصفين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك، فسمّها لأطلقها، فإذا انقضت عدتها تزوجها.
فقال عبد الرحمن بن عوف: بارك الله في أهلك ومالك، أين سوقكم؟ فدلوه علىٰ سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل من إقط وسمن، ثم تابع الغدو، ثمّ جاء يوماً وبه أثر صُفرة، فقال النبي ﷺ: «مهيم؟»([1]). قال: تزوجت، قال: «كم سُقت إليها؟». قال: نواة من ذهب([2]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالت الأنصار للنبي ﷺ: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل. فقال: «لا». فقالوا: فتكفونا المؤنة، ونشرككم في الثمرة. قالوا: نعم، سمعنا وأطعنا([3]). وهذا يدلنا علىٰ أمرين اثنين أيضاً:
أولاً: سخاء الأنصار كما قال الله تبارك وتعالىٰ: ﴿وَٱلَّذِينَ تَبَوَّؤُوا ٱلدَّارَ وَٱلْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9].
ثانياً: يظهر لنا كذلك موقف المهاجرين، وذلك أنهم لم يستغلوا طيبة الأنصار، ولذلك لم يقبل عبد الرحمن بن عوف عرض سعد بن الربيع، ولم يقبل المهاجرون عرض الأنصار أن يقاسموهم نخيلهم.