وفي يوم الاثنين الثامن من ربيع الأول من السنة الرابعة عشرة من مبعث النبي ﷺ وصل إلىٰ قُباء، قال عروة بن الزبير: «سمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله ﷺ من مكة، فكانوا يَغْدون كل غداة إلىٰ الحَرَّة، فينتظرونه حتىٰ يردهم حَرُّ الظهيرة، فانقلبوا يوماً بعدما أطالوا انتظارهم، فلما أَوَوا إلىٰ بيوتهم أَوْفَىٰ رجل من يهود علىٰ أُطُمٍ من آطامهم([1])، فبصر بالرسول ﷺ وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب([2])، فلم يملك اليهودي أن نادىٰ بأعلىٰ صوته: يا معاشر العرب، هذا جَدُّكم الذي تنتظرون.

فثار المسلمون إلىٰ السلاح، فتلقوا الرسول ﷺ، َفعَدَلَ بهم ذات اليمين حتىٰ نـزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله ﷺ صامتاً، فَطَفِقَ من جاء من الأنصار ممن لم يروا النبي ﷺ يجيئون أبا بكر يظنون أنه النبي ﷺ، حتىٰ أصابت الشمس رسول الله ﷺ، فأقبل أبو بكر حتىٰ ظَلَّلَ علىٰ نبي الله ﷺ بردائه، فعرف الناس أن هذا هو الرسول ﷺ([3]).

وبقي علي بن أبي طالب ثلاثة أيام يؤدي الأمانات عن النبي ﷺ، ثمّ هاجر ماشياً علىٰ قدميه، أقام الرسول ﷺ بقباء أربعة أيام علىٰ المشهور الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس.

 

([1])             وهو المكان المرتفع.

([2])            أي يراهم من بعيد.

([3])            أخرجه البخاري (3906).