بدأ المسلمون يهاجرون، وحاول المشركون صدَّهم عن الهجرة، وكان أول المهاجرين أبو سلمة، وقد هاجر قبل العقبة الكبرىٰ بسنة، وأخذ معه زوجته أم سلمة وولدهما سلمة، فجاءه أصهاره فقالوا له: أما نفسك فلا نستطيعها، أرأيت صاحبتنا هذه علىٰ ما نتركك تسير بها في البلاد؟ فوالله لا ندعها معك، فأخذوا منه زوجته، ومن الطبيعي جداً أن ولده سلمة الصغير رجع مع أمه، فغضب آل أبي سلمة، كيف تأخذون من الرجل زوجته؟ فقالوا: إذا فعلتم ذلك فنحن نأخذ ابننا فأخذوا سلمة من أمه، فتشتت أمر هذه العائلة الصغيرة، أبو سلمة هاجر، وأم سلمة أخذها قومها، وسلمة أخذه قوم أبيه([1]).

هاجر أبو سلمة وحده إلىٰ المدينة، وكانت أم سلمة بعد ذهاب زوجها وأخذ ابنها منها تخرج إلىٰ الأبطح تبكي حتىٰ تمسي، واستمرت علىٰ ذلك الأمر سنة كاملة، وهي تبكي فراق ابنها وزوجها، فرقَّ لها أحد ذويها، وقال: ألا تخرجون هذه المسكينة، فرّقتم بينها وبين زوجها وولدها؟ فقالوا لها: الحقي بزوجك إن شئت. فذهبت إلىٰ أهل زوجها، فأعطوها ولدها، ثمّ هاجرت خلف زوجها إلىٰ المدينة، ولكنها لما خرجت لم يكن معها أحد، فلقيها في الطريق عثمان بن طلحة، وبعد أن عرف حالها شيعها يجاريها في السير حتىٰ وصل بها إلىٰ المدينة وهو علىٰ الشرك، ولكنها أخلاق العرب، فلما وصل إلىٰ المدينة قال: زوجك في هذه القرية ادخليها علىٰ بركة الله. ثمّ انصرف إلىٰ مكة.

هذه صورة من صور المهاجرين، وكيف عانوا عند خروجهم من مكة إلىٰ المدينة.

 

([1])             انظر: «تاريخ الطبري» (2/369)، «سيرة ابن هشام» (1/468).