بعد رجوعه من الطائف ﷺ أراد الله جل وعلا أن يخفف عنه، وأن يبين أنه معه سبحانه وتعالى، ولكنه يبتليه ليرفع درجته.

أخرج الإمامان البخاري ومسلم بسنديهما([1]) عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها حدثته أنها قالت للنبي ﷺ: هل أتىٰ عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟

قال ﷺ: «لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي علىٰ ابن عبد ياليل، فلم يجبني إلىٰ ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم علىٰ وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب([2])، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني وقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملَكَ الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلّم عليَّ، ثمّ قال: يا محمد، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين([3]) لفعلت.

فقال النبي الكريم الرحيم الحليم المشفق علىٰ أمته ﷺ: «بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئاً».

وهكذا يجب علىٰ الداعية إلىٰ الله تبارك وتعالىٰ أن ينظر إلىٰ العصاة وإلىٰ الصادّين النادِّين عن أمر الله تبارك وتعالىٰ نظرة المشفق عليهم.

 

([1])             «صحيح البخاري» (3231)، «صحيح مسلم» (1795).

([2])            الذي يقال له الآن: قرن المنازل، الذي هو السيل.

([3])            الأخشبان: هما جبلا مكة أبو قبيس وقعيقعان