الدعوة في الطائف
12-03-2023
وبعد وفاة أبي طالب ووفاة خديجة رضي الله عنها؛ خرج النبي ﷺ من مكة إلىٰ الطائف يدعو إلىٰ الله تبارك وتعالىٰ، فالنبي ﷺ ظل تلك السنوات العشر في مكة يدعو إلىٰ الله تبارك وتعالىٰ، ثمّ رأىٰ ﷺ أن يخرج من مكة ويبدأ بالدعوة خارجها، فأول ما فكر ﷺ بالطائف، فخرج مشياً علىٰ قدميه ومعه زيد بن حارثة ــ مولاه وخادمه ــ، وكان النبي ﷺ قد تبناه في أول الأمر فكان يسمىٰ بزيد بن محمد، حتىٰ نـزل قول الله تبارك وتعالىٰ: ﴿ ٱدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾ [الأحزاب: 5]، فصار ينادىٰ بعد ذلك بزيد بن حارثة.
ولما وصل النبي ﷺ إلىٰ الطائف عمد إلىٰ ثلاثة إخوة من رؤساء ثقيف وهم: عبد ياليل ومسعود وحبيب أبناء عمرو بن عمير الثقفي، ودعاهم إلىٰ الله وإلىٰ نصرة دينه، فقال أحدهم عن نفسه: إنه يمزق ثياب الكعبة إن كان الله أرسل محمداً ﷺ، وقال الآخر لنبي الله ﷺ: أما وجد الله أحداً غيرك؟ وقال الثالث: والله لا أكلمك أبداً إن كنت رسولاً، لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب علىٰ الله ما ينبغي أن أكلمك.
هكذا عامل هؤلاء الثلاثة النبي ﷺ بتلك القسوة وذلك الاستهزاء، وهو قد خرج من بلده ودخل إلىٰ بلد هو غريب فيها يدعو إلىٰ الله تبارك وتعالىٰ، ولكنه واجهوه بهذه الكلمات التي ملؤها الاستهزاء والسخرية.
وليت الأمر بقي علىٰ ذلك، ولكن الطين زاد بلة فإنهم قالوا له: اخرج من بلادنا، ثمّ أغروا به سفهاءهم، فلما أراد الخروج تبعه السفهاء والعبيد والصبيان يسبونه ويصيحون به حتىٰ اجتمع عليه الناس فوقفوا صفين، وجعلوا يرمونه بالحجارة وبكلمات من السفه حتىٰ أصابوا عراقيبه([1]) واختضب النعال بالدم، وكان زيد رضي الله عنه يقي النبي ﷺ بنفسه حتىٰ أصابه شجاج في رأسه، فصار النبي ﷺ يمشي وهؤلاء يضربونه ﷺ حتىٰ التجأ إلىٰ حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة في الطائف، فدخل رسول الله ﷺ الحائط فجاء إلىٰ حبلة من عنب([2])، فجلس تحت ظلها إلىٰ جدار، ودعا بدعاء ملؤه اللجوء والرغبة بما عند الله تبارك وتعالىٰ، والذي من خلاله يظهر للمؤمن كيف أنه يجب عليه دائماً أن يصدق مع الله، وأن يلتجأ إليه، في كل أمره، فقال ﷺ: «اللَّهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني علىٰ الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلىٰ من تكلني؟ إلىٰ بعيد يتجهمني، أم إلىٰ عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبىٰ حتىٰ ترضىٰ، ولا حول ولا قوة إلا بك».
فلما رآه ابنا ربيعة عتبة وشيبة تحركت له الرحم وذلك أنهما من ولد عبد شمس بن عبد مناف، فدعوا غلاماً لهما وهو نصراني يقال له: عدّاس، وقالا له: خذ قطفاً من هذا العنب واذهب به إلىٰ هذا الرجل، فلما جاء عدّاس وضعه بين يدي النبي ﷺ فمدّ يده ﷺ وقال: «بسم الله»، ثمّ أكل.