وفاة أبي طالب
12-03-2023
سكتت قريش عن النبي ﷺ فترةً من الزمن، ثمّ كانت وفاة أبي طالب عم النبي ﷺ، وذلك سنة عشر من النبوة بعد خروجهم من الشعب بستة أشهر.
عن سعيد بن المسيب عن أبيه المسيب رضي الله عنه: أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي ﷺ وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية([1])، فقال نبي الله ﷺ لعمه أبي طالب: «أي عم قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله». فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب! أترغب عن ملّة عبد المطلب؟ فأعاد النبي ﷺ عليه وهما يعيدان، والنبي يعيد وهما يعيدان، فلم يزالا به حتىٰ قال آخر كلمة: هو علىٰ ملة عبد المطلب، ثمّ مات بعد ذلك. فقال النبي ﷺ: «لأستغفرن لك ما لم أُنْه عنك فنـزل قول الله تبارك وتعالىٰ: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ﴾ [التوبة: 113]، ونـزل كذلك قول الله تبارك وتعالىٰ: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: 56]([2]).
وفي هذه القصة من الفوائد الشيء الكثير منها: أن النبي ﷺ كان حريصاً علىٰ إسلام أبي طالب، ووالله لو قال أبو طالب تلك الكلمة لنفعته، وذلك أنه قد ثبت عن النبي ﷺ أنه دخل علىٰ غلام يهودي وهو علىٰ فراش الموت، فقال له: «قل لا إله إلا الله»، فالتفت الغلام إلىٰ أبيه؟ فقال له أبوه: أطع أبا القاسم. فقال الغلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثمّ مات. فخرج النبي ﷺ وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه من النار»([3]).
فوالله لو قالها أبو طالب لنجاه الله من النار، ووالله تمنينا جميعاً أن يكون أبو طالب قالها، والله ما حزنا أبداً ولن نحزن أبداً لو آمن أبو طالب، ونتمنىٰ أن يؤمن جميع الناس، ولكننا مع النصوص، وهو أن أبا طالب عم النبي ﷺ لم يسلم، مع أنه ناصره، و دافع عنه، وحماه، وخرج معه إلىٰ الشعب، بل ورباه في صغره، ومع هذا كله يموت علىٰ الشرك.
قال ابن كثير رحمه الله: «كان أبو طالب يصد الناس عن أذية رسول الله ﷺ وأصحابه بكل ما يقدر عليه من فعال ومقال ونفس ومال، ولكن مع هذا لم يقدر الله تبارك وتعالىٰ له الإيمان؛ لما له ــ تعالىٰ ــ من الحكمة العظيمة والحجة القاطعة البالغة الدامغة، التي يجب الإيمان بها والتسليم لها، ولولا ما نهانا الله عنه من الاستغفار للمشركين لاستغفرنا لأبي طالب وترحمنا عليه»([4]).
والغريب في هذه القضية أن عبد الله بن أبي أمية الذي شارك أبا جهل في منع أبي طالب من الاستجابة لأمر النبي ﷺ أسلم عام الفتح، وذكروا أنه استشهد في حنين، وقد ثبت أن العباس بن عبد المطلب([5]) قال للنبي ﷺ: ما أغنيت عن عمك ــ أي أبا طالب ــ فإنه كان يحوطك ويغضب لك: فقال النبي ﷺ: «هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل في النار»([6])، نسأل الله تبارك وتعالىٰ الهداية والعافية.
([1]) وهو أخو أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله عنها.
([4]) البداية والنهاية (3/124).
([5]) أخرجه البخاري (3883، 6208، 6572).
([6]) أخرجه البخاري (3883)، ومسلم (209)، من حديث العباس رضي الله عنه.