عتبة بن ربيعة يحاول مع النبي ﷺ
12-03-2023
كان عتبة بن ربيعة في نادي قريش، ورسول الله ﷺ في المسجد وحده، فقال عتبة: يا معشر قريش ألا أقوم إلىٰ محمد وأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء ويكف عنّا؟ فقالوا له: بلىٰ يا أبا الوليد قم إليه فكلمه، فقام إليه عتبة، فجلس إليه فقال: يا ابن أخي إنك منّا حيث قد علمت، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فَرَّقت به جماعتهم، وسَفَّهت به أحلامهم، وعِبْتَ به آلهتهم ودينهم، وكفّرت من مضىٰ من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً، فانظر فيها لعلك تقبل منها بعضها.
فقال النبي ﷺ: «يا أبا الوليد، قل أسمع». قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً، جمعنا لك من أموالنا حتىٰ تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد شرفاً سودناك علينا حتىٰ لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رِئياً تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتىٰ نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع علىٰ الرجل([1]) حتىٰ يداوىٰ منه.
فصار يتكلم والنبي ﷺ ساكت لا يتكلم، فلما فرغ؛ قال له النبي ﷺ: «أقد فرغت يا أبا الوليد؟». قال: نعم، قال: «فاسمع أنت مني». قال: أفعل. فقرأ النبي ﷺ: ﴿حمٓ تَنْزِيلٌ مِنَ ٱلرَّحْمَنِ ٱلرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ َشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَٱعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ [فصلت: 1 ــ 5]، فلما وصل النبي ﷺ إلىٰ موضع السجدة في سورة فصلت: ﴿فَإِنِ ٱسْتَكْبَرُوا فَٱلَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ﴾ [فصلت: 38]، سجد ﷺ ثمّ رفع رأسه فقال: «قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك».
فما تكلم ﷺ من كلام البشر أبداً، وإنما قرأ عليه كلام رب البشر سبحانه وتعالى، وفي بعض الروايات أن النبي ﷺ لما بلغ: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ [فصلت: 13]، فقام عتبة ووضع يده علىٰ فم النبي ﷺ، وقال: أنشدك الله والرحم. يعني لا تفعل، لا تدعُ الله علينا أن يأتينا بصاعقة.
فقام عتبة إلىٰ أصحابه، فقال بعضهم لبعض وهم يرونه قادماً: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: إني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها فيّ، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر علىٰ العرب فملكه ملككم وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه. قال: هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم([2]).