بعد أن خرج عتبة بن ربيعة من عند النبي ﷺ وقال ما قال؛ رأت قريش أنه لا بد من حل لهذه المشكلة التي وقعت لهم، فرأوا أن تكون المقاطعة التامة لبني هاشم، فاجتمعوا وتحالفوا علىٰ بني هاشم، واتفقوا على:

1 ــ أن لا يناكحوهم.  2 ــ ولا يبايعوهم.

3 ــ ولا يجالسوهم.    4 ــ ولا يكلموهم.

وكتبوا بذلك صحيفة فيها عهود ومواثيق أن لا يقبلوا من بني هاشم صلحاً أبداً، ولا تأخذهم بهم رأفة، حتىٰ يسلموا لهم رسول الله ﷺ فيقتلوه، وتمّ هذا الميثاق وعُلِّقت الصحيفة في جوف الكعبة، فانحاز المسلمون وبنو هاشم مؤمنهم وكافرهم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم إلىٰ النبي ﷺ، عدا أبي لهب عم النبي ﷺ وبعض بني المطلب. فخرج النبي ﷺ ومن معه إلىٰ شِعب يقال له: شِعب أبي طالب.

واستمرت هذه المقاطعة ثلاثة أعوام، واشتد الحصار علىٰ النبي ﷺ ومن معه حتىٰ بلغهم الجَهد، وأُلجؤوا إلىٰ أكل الأوراق والجلود، والغريب في هذه المقاطعة أن كفار بني هاشم وكفار بني المطلب خرجوا مع النبي ﷺ! وهذا يبين لنا أن الحمية العربية كانت قوية ومؤثرة.

ولو قال قائل: خرج بنو هاشم مع النبي ﷺ؛ لأنهم من أبناء عمومته فما بال بني المطلب؟ ولِمَ لم يخرج بنو عبد شمس وبنو نوفل مع أن عبد شمس ونوفلاً وهاشماً والمطلب كل هؤلاء أخوة أبوهم عبد مناف.

والجواب: أن بني المطلب وبني هاشم علاقتهما مع بعضهما أقوىٰ من علاقة بني هاشم مع بني عبد شمس أو بني نوفل، وكذلك من علاقة بني المطلب مع عبد شمس أو نوفل، وهذا من قديم، فعن جبير بن مطعم قال: لما كان يوم خيبر وضع النبي ﷺ سهم ذوي القربىٰ في بني هاشم وبني المطلب، وترك بني نوفل وبني عبد شمس، فأتيت أنا وعثمان بن عفان([1]) رسولَ الله ﷺ، فقلنا: يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم بالموضع الذي وضعك الله به منهم، فما بال إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة، فقال النبي ﷺ: «إنّا لم نفترق في جاهلية ولا إسلام، إنما نحن وهم شيء واحد» وشبك بين أصابعه ﷺ([2]).

وكانت العرب في الجاهلية قبل الإسلام بل وقبل مولد النبي ﷺ يقولون عن هاشم والمطلب: البدران، ويقولون عن عبد شمس ونوفل: الأبهران.

وكان أبو طالب خلال هذه السنوات الثلاث يخاف علىٰ النبي ﷺ من الاغتيال، فكان النبي ﷺ إذا أراد أن ينام تركه أبو طالب فترة ثمّ أيقظه وغير مكانه لينام غيره مكانه.

 

([1])             لأن جبير بن مطعم من بني نوفل، وعثمان بن عفان من بني عبد شمس.

([2])            أخرجه بهذا اللفظ أبو داود (2980)، وأصله في «صحيح البخاري» (3140).