جاء نصر من الله تبارك وتعالىٰ بإسلام رجلين:

أما الأول: فهو حمزة عم النبي ﷺ، وأخوه من الرضاعة، أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب.

وسبب إسلامه: أن أبا جهل ــ عدو الله ــ مرّ برسول الله ﷺ وهو عند الصفا، فآذاه وسبه، ورسول الله ﷺ ساكت لا يكلمه، ثمّ قام أبو جهل فحمل حجراً فضرب به رأس النبي ﷺ، فشجه حتىٰ نـزف منه الدم، ثمّ انصرف عنه إلىٰ نادي قريش فجلس معهم.

وكانت مولاة لعبد الله بن جدعان رأت ذلك، فلما أقبل حمزة من القنص متوشحاً قوسه، جاءته هذه الأَمَةُ فأخبرته بما رأت، وبما فعل أبو جهل بالنبي ﷺ، فغضب حمزة رضي الله عنه وكان رجلاً شديداً في عنفوان شبابه، ومن أشجع قريش في ذلك الوقت، ومحمد ابن أخيه، فخرج يسعىٰ حتىٰ جاء أبا جهل، فلما دخل قام علىٰ رأسه وقال له: تشتم ابن أخي وأنا علىٰ دينه، ثمّ سبه وضربه بالقوس، فشجّ وجهه شجة منكرة، فثار رجال من بني مخزوم ــ قوم أبي جهل ــ وثار رجال من بني هاشم لحمزة، حتىٰ كادت أن تكون معركة بين الحيين، فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة، فإني سببت ابن أخيه سباً قبيحاً([1]).

قال حمزة رضي الله عنه: فلما خرجت فكرت في الأمر، فقلت: كيف قلت: أنا علىٰ دينه، وأنا لم أسلم بعد! فما هو إلا أن شرح الله تبارك وتعالىٰ صدره للإسلام، فذهب للنبي ﷺ فقال: يا ابن أخي، إني قلت كذا وكذا فماذا أصنع؟ فدعا له النبي ﷺ أن يشرح الله صدره للإسلام، فشرح الله جل وعلا صدره، وأسلم وكان إسلامه نصراً للمؤمنين.

والنصر الثاني: عمر بن الخطاب، فإن النبي ﷺ قد ثبت عنه أنه قال: «اللَّهم أعزَّ الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب». قال: وكان أحبهما إليه عمر([2]).

وقصة إسلامه فيها أكثر من رواية، ولكن أقرب الروايات إلىٰ الصحة هي أن عمر رضي الله عنه قال: خرجتُ أتعرض رسول الله ﷺ قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلىٰ المسجد، فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعل النبي ﷺ يقرأ وأنا أستمع وأعجب من تأليفه([3])، فقلت في نفسي: هذا والله شاعر كما قالت قريش، فقرأ ﷺ: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ﴾  [الحَاقَّة: 40-41]، فقلت في نفسي: كاهن، فقرأ: ﴿ولَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ﴾ [الحاقة: 42 ــ 43]، فوقع الإسلام في قلبي([4]).

ولما أسلم عمر جاء إلىٰ رجل يقال له: جميل بن معمر، وهذا الرجل نقالة للحديث لا يحفظ سراً، فقال له: أريد أن أخبرك شيئاً. قال: وما هو؟ فقال له: أسلمت. فقام هذا الرجل فنادىٰ بأعلىٰ صوته: إن ابن الخطاب قد صبأ، إن ابن الخطاب قد صبأ، وعمر بن الخطاب يجري خلفه ويقول: كذب، ولكني أسلمت. فقاموا إلىٰ عمر رضي الله عنه فصاروا يضربونه وهو يضربهم، وهكذا حتىٰ ارتفعت الشمس، وذكرت بعض الروايات أنهم ضربوه حتىٰ سقط مغشياً عليه من شدة ضربهم([5]).

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتىٰ أسلم عمر.([6]) وقال: مازلنا أعزة منذ أسلم عمر([7]).

 

([1])             أخرجه ابن إسحاق في «السيرة» (1/58).

([2])            أخرجه أحمد (5696)، والترمذي (3681)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

([3])            من تأليف هذا القرآن

([4])            أخرجه أحمد (107).

([5])            «السيرة» لابن إسحاق (226).

([6])            أخرجهما البخاري (3684، 3863).

([7])            أخرجه أحمد في «الفضائل» (370).