مرضعاته عليه السلام
12-03-2023
لما وُلِد النبي ﷺ أرضعته ثُويبَة، وهي مولاة عمِّه أبي لهب، وكانت قد أرضعت قبل النبي ﷺ عمَّه حمزة، فيكون أخاً للنبي ﷺ من الرضاعة، وأمهما جميعاً من الرضاعة ثويبة مولاة أبي لهب. ولم يدُم هذا الأمر طويلاً؛ لأنه كان من عادة العرب أنهم يلتمسون المراضع لأولادهم لمدة سنتين ثمّ تفطمه وتعيده إلىٰ أمه.
ونترك حليمة السعدية تذكر لنا قصتها مع النبي ﷺ، تقول حليمة السعدية: خرجتُ من بلدي مع زوجي وابن لي صغير أُرضعه في نسوة من بني سعد بن بكر ألتمسُ الرضعاء، وذلك في سنة شهباء([1]) لم تبق لنا شيئاً، فخرجت علىٰ أتان لي قمراء([2])، معنا شارف لنا([3])، والله ما تبض بقطرة([4])، وما ننام ليلنا أَجْمَع من صبيّنا الذي معنا من بكائه من الجوع، والله ما في ثديي ما يغنيه وما في شارفنا ما يغذيه، ولكن كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت علىٰ أتاني تلك حتىٰ قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منّا امرأة إلّا وقد عُرِض عليها رسول الله ﷺ فتأباه، وذلك إذا قيل لها: إنه يتيم، وذلك أنا كنا نرجو المعروف من أبي الصبي، فكنّا نقول: يتيم! وما عسىٰ أن تصنع أمه وجدّه؟! فكنّا نكرهه لذلك.
فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعاً غيري، فلمّا أجمعنا الانطلاق([5]) قلت لصاحبي([6]) والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعاً، والله لأذهبنّ إلىٰ ذلك اليتيم فلآخذنه. قال: لا عليك أن تفعلي، عسىٰ الله أن يجعل فيه بركة.
[سبحان الله، هذه المسكينة حليمة السعدية لا تدري أن الخير والبركة كلها في هذا اليتيم ﷺ].
قالت: فرجعتُ إليه فأخذتُه وما حملني علىٰ أخذه إلا أني لم أجد غيره، فلمّا أخذته رجعت به إلىٰ رَحْلي، فلمّا وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتىٰ روي وشرب معه أخوه([7]) حتىٰ رَوي ثمّ ناما، وما كنّا ننام معه قبل ذلك من بكائه، وقام زوجي إلىٰ شارفنا تلك، فإذا هي حافل([8])، فحلب منها ما شرب وشربت معه حتىٰ انتهينا رياً وشبعاً، فبتنا بخير ليلة، فقال لي صاحبي حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة لقد أخذت نَسْمَة مباركة. فقلت: والله إني لأرجو ذلك.
ثمّ خرجنا وركبت أنا أتاني وحملته عليها معي([9])، فوالله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شيء من حمرهم([10]) حتىٰ إن صواحبي ليقلن لي: يا ابنة أبي ذؤيب ويحك أربعي علينا([11])، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن: بلىٰ والله إنها لهي هي. فيقلن: والله إنَّ لها شأناً. ثمّ قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضاً من أرض الله أجدب منها([12])، فكانت غنمي تروح عليَّ حين قدمنا بها معنا شباعاً لبناً، فنحلب ونشرب وما يحلب إنسانٌ قطرة لبن لأن الأرض جدباء، حتىٰ كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب فتروح أغنامهم جياعاً ما تبض بقطرة لبن، وتروح غنمي شباعاً لبناً، فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتىٰ مضت سنة وفصلته([13])، وكان يشب شباباً لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتىٰ كان غلاماً جفراً([14])، فقدمنا به علىٰ أمه([15]) ونحن أحرص علىٰ مُكْثه فينا، لما كنا نرىٰ من بركته، فكلمنا أمه وقلت لها، لو تركت ابني عندي حتىٰ يغلظ، فإني أخشىٰ عليه وباء مكة.
[وهي لا تخشىٰ عليه الوباء، ولكنها تريده لما رأت من الخير عند مجيئه ﷺ. قالت: فما زلت بها حتىٰ ردته معنا].
([1]) الشهباء: يعني لا زرع ولا ماء فيها.
([2]) الأتان: هو الحمار، والقمراء: يعني بيضاء.
([4]) يعني ليس فيها حليب أبداً.
([12]) يعني قاحلة ليس فيها زرع ولا ماء.
([15]) لأن بينهم وبين أمه وعداً بعد سنتين يعيدان إليها النبي ﷺ.