قتال معاوية لعليٍّ
16-02-2023
إن معاوية ما ترك مبايعة عليٍّ طمعًا في الخلافة ولم يقاتله من أجل ذلك وإنما طلبًا لدم عثمان.
فعن أبي مسلم الخولاني أنه قال لمعاوية: أنت تنازع عليًّا في الخلافة أو أنت مثله؟ قال: لا، وإني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلومًا؟ وأنا ابن عمه ووليه، أطلب بدمه، فأتوا عليًّا فقولوا له يدفع لنا قتلة عثمان. فأتوه فكلموه فقال: يدخل في البيعة ويحاكمهم إلي. فامتنع معاوية فسار عليٌّ في الجيوش من العراق حتى نزل بصفين، وسار معاوية حتى نزل هناك وذلك في ذي الحجة سنة ست وثلاثين فتراسلوا فلم يتم لهم أمر فوقع القتال([1]).
وعن المغيرة قال: لما جاء خبر قتل عليٍّ إلى معاوية جعل يبكي، فقالت له امرأته: أتبكيه وقد قاتلته؟ قال: ويحك أنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم([2]).
وسئل القاضي أبو يعلى الفراء عما جرى بين عليٍّ ومعاوية ƒ، وهل يجوز أن يضاف إلى معاوية بذلك ظلم أو فسق؟ قال: لا يجوز أن يضاف إليه شيء من ذلك. بل يقال: إنه اجتهد، وله أجر على اجتهاده، ووجه اجتهاده أنه قال: استعملني الخليفتان من قبل، وولياني على الشام، عمر وعثمان، وأنا على ما استعملاني عليه، حتى يجتمع الناس على إمام، فأسلم إليه ما في يدي، وأنا مطالب بدم عثمان، لأني ابن عمه ووليه، وأحق الناس به. والله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي ٱلْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾ [الإسراء: 33]([3]).
وقال ابن حزم: «لم يُنْكر معاوية قط فضلَ عليٍّ واستحقاقه بالخلافة، لكن اجتهاده أدّاه إلى أن رأى تقديم أخذ القود من قتلة عثمان رضي الله عنه على البيعة ورأى نفسه أحق بطلب دم عثمان»([4]).
وقال أبو الحسن الأشعري: «وكذلك ما جرى بين عليٍّ ومعاوية ƒ كان على تأويل واجتهاد، وكل الصحابة مأمونون غير متهمين في الدين، وقد أثنى الله ورسوله على جميعهم»([5]).
قال ابن تيمية: «ولهذا اتفق أهل السنة على أنه لا تُفسق واحدة من الطائفتين، وإن قالوا في إحداهما إنهم كانوا بغاة؛ لأنهم كانوا متأولين مجتهدين، والمجتهد المخطئ لا يكفر ولا يفسق، وإن تعمّد البغي فهو ذنب من الذنوب، والذنوب يُرفع عقابها بأسباب متعددة»([6]).
7 ــ قتل عمار بن ياسر:
عن أبي سعيد قال: كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة، وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين، فمرَّ به النبي ﷺ، ومسح عن رأسه الغبار، وقال: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى الله، ويدعونه إلى النار»([7]).
والشبهة هي أن معاوية هو قائد هذه الفئة.
وأجيب عن هذا الحديث بما يأتي:
أن قوله ﷺ: «تقتله الفئة الباغية» ليس نصًّا في معاوية، بل يُراد به تلك العصابة التي قتلته، وهي طائفة من الجيش ومعاوية لم يرضَ بقتله، ولم يأمر به.
وجاء في الحديث: عن زر بن حبيش، قال: استأذن ابن جرموز على عليٍّ وأنا عنده، فقال عليٌّ: بَشِّر قاتل ابن صفية بالنار، ثم قال عليٌّ: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن لكل نبي حواريًا، وحواري الزبير»([8]).
فهل يقال إن عليًّا يتهم بقتل الزبير لأنه زعيم الجيش الذي قتل الزبير؟ هذا لا أعلم أن أحدا قال به.
قال الحافظ ابن كثير: «لا يلزم من تسمية أصحاب معاوية بغاة تكفيرهم، لأنهم وإن كانوا بغاة في نفس الأمر، فإنهم كانوا مجتهدين فيما تعاطوه من القتال، وليس كل مجتهد مصيبًا، بل المصيب له أجران، والمخطئ له أجر...، وأما قوله: «يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار»، فإن عمارًا وأصحابه يدعون أهل الشام إلى الألفة واجتماع الكلمة، وأهل الشام يريدون أن يستأثروا بالأمر دون من هو أحق به، وأن يكون الناس أوزاعًا، على كل قطر إمام برأسه وهذا يؤدي إلى افتراق الكلمة، واختلاف الأمة، فهو لازم مذهبهم وناشئ عن مسلكهم، وإن كانوا لا يقصدونه، والله أعلم»([9]).
([1]) تاريخ دمشق (59/132)، البداية والنهاية (11/424)، سير أعلام النبلاء (3/140) من رواية يحيى بن سليمان الجعفي عن يعلى بن عبيد عن أبيه عن أبي مسلم الخولاني، قال ابن حجر: «بسند جيد». فتح الباري (13/86).
([2]) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (59/142)، وانظر: البداية والنهاية (11/429).
([3]) تنزيه خال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان (ص 83).
([4]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (3/75).
([8]) أخرجه أحمد (681)، قال: حدثنا معاوية بن عمرو، قال: حدثنا زائدة، عن عاصم، عن زر به.