حجر بن عدي الكندي من كبار التابعين على الصحيح، وقيل: إنه صحابي([1])، وكان من العباد، وهو أحد أمراء عليِّ بن أبي طالب يوم صفين، ثم بايع للحسن، وكان من المعارضين لصلحه مع معاوية، ثم بايع لمعاوية، وبقي في طاعته عشر سنوات، وولى معاوية الكوفة زياد بن أبيه، وكان زياد واليًا على البصرة من قبل عليٍّ، وحدث أن قام زياد فخطب الناس، فذكروا أنه أطال في خطبته، فقام حجر بن عدي فقال: الصلاة، الصلاة. واستمر زياد في خطبته فقام حجر بن عدي فحصبه بالحجارة، فأرسل زياد إلى معاوية بما وقع([2]).

فلما وصل حجر إلى معاوية قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، قال معاوية مغضبًا: أو أمير المؤمنين أنا؟ قال: نعم، ثلاثًا.

وأراد معاوية أن يَقْطع دابر الفتنة من أولها فقتله لهذا السبب، ولما قالت عائشة لمعاوية: لماذا قتلت حجر بن عدي؟ قال معاوية: دعيني وحجرًا حتى نلتقي عند الله([3]).

ونحن نقول: دعوه وحجرًا حتى يلتقيا عند الله.

قال ابن أبي مليكة: جاء معاوية يستأذن على عائشة، فأَبَتْ أن تأذن له، فخرج غلامٌ لها يقال له: ذكوان. قال: ويحك! أدخلني على عائشة، فإنها قد غضبت عليَّ، فلم يزل بها غلامها حتى أذِنَتْ له، وكان أطوعَ مني عندها، فلما دخل عليها قال: أمتاه، فيما وجدت عليَّ يرحمك الله؟

قالت: وجدتُ عليك في شأن حِجْرٍ وأصحابه أنك قتلتهم.

فقال لها: وأما حجر وأصحابه؛ فإنني تخوفت أمرًا، وخشيت فتنة تكون تهراق فيها الدماء، وتستحل فيها المحارم([4]).

قال ابن العربي: «إن حجرًا فيما قال رأى من زياد أمورًا منكرة فحصبه، وخلعه، وأراد أن يقيم الخلق للفتنة، فجعله معاوية ممن سعى في الأرض فسادًا، مع أن معاوية في النهاية لا يعدم أن يكون قد أصاب في اجتهاده، فيكون له أجران، أو اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، ويكون خطؤه رضي الله عنه مغمورا في بحر حسناته»([5]).

 

([1])     ذكره في التابعين: البخاري، وأبو حاتم، وخليفة بن خياط، وابن حبان، والدارقطني، وغيرهم، وقال أبو أحمد العسكري: أكثر أهل الحديث لا يصححون له صحبة. وقال ابن الجوزي: لم يثبت له صحبة، وذكره ابن سعد في الصحابة مرة وذكره مرة في التابعين، ونقل الحاكم عن مصعب الزبيري أنه صحابي، انظر تاريخ دمشق (12/210)، والبداية والنهاية (11/228)، والإصابة (2/217).

([2])    الإصابة (1/313)، وسير أعلام النبلاء (3/466)، وتفصيل ذلك في البداية والنهاية (8/52)، وما بعدها.

([3])    البداية والنهاية (8/55)، العواصم من القوصم (ص 220).

([4])    تاريخ دمشق (12/230).

([5])    العواصم من القواصم (211).