عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كنت ألعبُ مع الصبيان فجاء رسول الله ﷺ فتَواريتُ خلفَ باب، قال: فجاء فحطأني حطأة([1])، وقال: «اذهب وادعُ لي معاوية». قال: فجئت فقلت: هو يأكل. قال: ثم قال لي: «اذهب فادع لي معاوية». قال: فجئت فقلت: هو يأكل. فقال: «لا أشبع الله بطنه»([2]).

فقيل: إن هذا الحديث فيه مثلبتان:

الأولى: دعاء النبي ﷺ على معاوية.

الثانية: تأخر معاوية عن تلبية طلب النبي ﷺ، والاستمرار في الأكل، وهذا له دلالة على قلة المبالاة.

الجواب عن هذا أن يقال:

إن هذا الدعاء يحتمل أنه جرى على لسانه ﷺ من غير قصد، فقد قال ﷺ لعائشة: «تَرِبَتْ يمينك»([3]). وقال ذلك لأم سلمة أيضا([4]).

وقال ﷺ لصفية: «عَقْرى حَلْقى»([5]).

وقال ﷺ لمعاذ: «ثكلتك أمك»([6]). وقالها أيضا لأبي ذر([7]).

فهل يظنُّ أحدٌ أو يَتَوهَّم أن هذا الدعاء مقصود منه ﷺ على عائشة، وصفية، وأم سلمة، وأبي ذر، ومعاذ؟!

أمَّا تأخر معاوية فليس في الحديث أن ابن عباس قال لمعاوية إن رسول الله ﷺ يدعوك، وإنما يحتمل أن ابن عباس لما رآه يأكل رجع ولم يَدْعُه، فرجع إلى رسول الله ﷺ وأخبره أنه يأكل، وكذا في المرة الثانية، فدعاؤه ﷺ جرى على اللسان بلا قصد.

وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كانت عند أم سُلَيْم يتيمة، وهي أم أنس، فرأى رسول الله ﷺ اليتيمة، فقال: «آنْتِ هيه؟ لقد كَبرتِ، لا كبر سنك».

فرجعتِ اليتيمةُ إلى أم سليم تبكي، فقالت أم سُلَيْم: ما لك؟ يا بُنيّة قالت الجارية: دعا عليَّ نبيُ الله ﷺ، أن لا يَكْبُرَ سِنِّي، فالآن لا يكبر سني أبدًا، أو قالت قرني فخرجت أم سُليم مستعجلةً تلوث خمارها، حتى لقيت رسول الله ﷺ، فقال لها رسول الله ﷺ: «ما لك يا أم سُلَيم». فقالت: يا نبي الله أدعوتَ على يتيمتي؟ قال: وما ذاك يا أم سُليم؟ قالت: زَعَمتْ أنك دعوتَ أن لا يكبر سنّها، ولا يكبر قَرْنُها.

فضحك رسول الله ﷺ، ثم قال: «يا أم سُليم أما تعلمين أن شرطي على ربي، أني اشترطتُ على ربي فقلت: إنما أنا بشر، أرضى كما يرضى البشر، وأغضبُ كما يغضب البشر، فأيّما أحدٍ دعوتُ عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل، أن يجعلَها له طهورًا وزكاةً، وقُربةً يقربه بها منه يوم القيامة»([8]).

 

([1])     الحطأة: الضرب باليد مبسوطة بين الكتفين، النهاية في غريب الحديث (4/89)، ولسان العرب (1/57).

([2])    أخرجه مسلم (2604).

([3])    أخرجه البخاري (4976)، ومسلم (1445).

([4])    أخرجه البخاري (130).

([5])    أخرجه البخاري (1561)، ومسلم (1211).

([6])    أخرجه الترمذي (2616).

([7])    أخرجه أبو داود (332).

([8])    أخرجه مسلم (2603).