عن أبي الأشعث قال: غزونا غزاة، وعلى الناس معاوية، فقسمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمناه، آنية من فضة، فأمر معاوية رجلًا أن يبيعها في أعطيات الناس، فتسارع الناس في ذلك، فبلغ عبادة بن الصامت فقام فقال: إني سمعت رسول الله ﷺ ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرِّ بالبُرِّ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينًا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى.

فردَّ الناس ما أخذوا، فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبًا فقال: ألا ما بالُ رجال يتحدثون عن رسول الله ﷺ أحاديث، قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه.

فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة، ثم قال: لنحدثنَّ بما سمعنا من رسول الله ﷺ وإن كَرِه معاوية. أو قال: وإن رغم، ما أبالي أن لا أصحبه في جند ليلة سوداء([1]).

ويجاب عن هذا بأمور:

أولًا: القول بجواز ربا الفضل، وأنه لا يحرم الربا إلا في نسيئة لم ينفرد معاوية به، بل جاء عن جمعٍ من الصحابة، كعبد الله بن عباس، وابن عمر، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم.

فعن أبي نضرة قال: سألت ابن عباس عن الصرف؟ فقال: أيدًا بيد؟ قلت: نعم. قال: فلا بأس به. قال أبو سعيد الخدري: أو قال ذلك! إنا سنكتب إليه فلا يفتيكموه([2]).

وعن أبي نضرة قال: سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف؟ فلم يريا به بأسًا، فإني لقاعد عند أبي سعيد الخدري فسألته عن الصرف؟ فقال: ما زاد فهو ربا، فأنكرت ذلك، لقولهما وقد رجعا عن هذا. قال: فأتيت ابن عمر بعد فنهاني، ولم آتِ ابن عباس. قال: فحدثني أبو الصهباء، أنه سأل ابن عباس عنه بمكة فكرهه([3]).

قال الحافظ ابن حجر: «والصَّرف بفتح المهملة: دفعُ ذهبٍ وأخذ فضة وعكسه، وله شرطان: منع النسيئة مع اتفاق النوع واختلافه وهو المجمع عليه، ومنع التفاضل في النوع الواحد منهما وهو قول الجمهور. وخالف فيه ابن عمر ثم رجع، وابن عباس واختلف في رجوعه»([4]).

فمعاوية وغيره من الصحابة ممن قالوا بجواز ربا الفضل، قالوا ذلك متأولين أن الربا لا يحرم إلا في النسيئة.

قال ابن تيمية: «ابن عباس ومعاوية وغيرهما رخصوا في الدرهم بالدرهمين، وكانوا متأولين أن الربا لا يحرم إلا في النساء، لا في اليد باليد»([5]).

ثانيًا: قد يُحمل قول من قال من الصحابة بجواز ربا الفضل، على أن ذلك لم يبلغه عن رسول الله ﷺ.

 

([1])     أخرجه الإمام مسلم (4047).

([2])    أخرجه مسلم (4062).

([3])    أخرجه مسلم (4063).

([4])    فتح الباري (4/482).

([5])    مجموع الفتاوى (32/238).