روي أن معاوية أوصى إلى ابنه يزيد فقال له: إني لا أتخوف أن ينازعك هذا الأمر الذى أسسته إلا أربعة نفر: الحسين بن على، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبى بكر، فأما ابن عمر فهو رجل ثقة، قد وقدته العبادة، وإذا لم يبقَ أحد غيره بايعك، وأما الحسين فإن أهل العراق خلفه، لا يدعونه حتى يخرجوه عليك، فإن خرج فظفرت به فاصفح عنه، فإن له رَحِمًا ماسة، وحقًّا عظيمًا، وأما ابن أبى بكر فهو رجل إن رأى أصحابه صنعوا شيئًا صنع مثله، ليست له همة إلا النساء، واللهو، وأما الذى يجثم لك جثوم الأسد، ويراوغك روغان الثعلب، وإذا أمكنته فرصة وثب، فذاك ابن الزبير، فإن هو فعلها بك فقدرت عليه فقطعه إربًا إربًا([1]).

وهذه الرواية لا تصح؛ لأنها من طريق أبي مخنف لوط بن يحيى([2])، ويرويه عنه هشام بن محمد وهو الكلبي مُتَّهم بالكذب، وفيه نكارة في المتن، فقد ذكر فيه عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان قد مات قبل هذه الوصية المزعومة.

قال ابن كثير: «والصحيح أن عبد الرحمن كان قد توفي قبل موت معاوية بسنتين. ولو كان هذا رأي معاوية، لكان نفذه في حياته، وقتل ابن الزبير وأراح ابنه منه، ولكنه الافتراء.

عن عبد الله بن بريدة، قال: دخلت أنا وأبي على معاوية، فأجلسنا على الفرش، ثم أتينا بالطعام، فأكلنا، ثم أتينا بالشراب، فشرب معاوية، ثم ناول أبي، ثم قال: ما شربته منذ حرمه رسول الله ﷺ. ثم قال معاوية: كنت أجمل شباب قريش؛ وأجوده ثغرًا، وما شيء كنت أجد له لذةً كما كنت أجده وأنا شاب غير اللبن، أو إنسان حسن الحديث يحدثني»([3]).

وأخرجه ابن أبي شيبة عن عبد الله بن بريدة ولفظه: دخلت أنا وأبي على معاوية، فأجلس أبي على السرير، وأتى بالطعام فأطعمنا، وأتى بشراب فشرب، فقال معاوية: ما شيء كنت أستلذه وأنا شاب فآخذه اليوم إلا اللبن؛ فإني آخذه كما كنت آخذه قبل اليوم([4]).

ومن الواضح أن سياق القصة في رواية أحمد ناقص، وهناك محذوف الله أعلم به، أما رواية ابن أبي شيبة، فليس فيها ذكر للخمر لا تصريحا ولا تلميحا.

عن محمد بن كعب القرظي، قال غزا عبد الرحمن بن سهل الأنصاري في زمان عثمان، ومعاوية أمير على الشام، فمرت به روايا خمر تحمل لمعاوية، فقام إليها عبد الرحمن برمحه فنقر كل راوية منها، فناوشه غلمانه، حتى بلغ شأنه معاوية، فقال: دعوه، فإنه شيخ قد ذهب عقله! فقال: كلا والله! ما ذهب عقلي، ولكن رسول الله ﷺ نهانا أن ندخل بطوننا وأسقيتنا خمراً، وأحلف بالله لئن أنا بقيت حتى أرى في معاوية ما سمعت من رسول الله ﷺ لأبقرن بطنه، أو لأموتن دونه([5]).

 

([1])     تاريخ الأمم والملوك (5/323).

             قال الطبري: ما ذكر هشام بن محمد، عن أبي مخنف، قال: حدثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن عبد الله بن مخرمة به.

([2])    أبو مخنف لوط بن يحيى: أخباري تالف لا يوثق به، تركه أبو حاتم وغيره. وقال الدارقطني: «ضعيف». وقال ابن معين: «ليس بثقة». وقال مرة: «ليس بشيء». وقال ابن عدي: «شيعي محترق». انظر: ميزان الاعتدال (5/508).

([3])    أخرجه أحمد (5/347)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (27/127): قال: حدثنا زيد بن الحباب، حدثني حسين بن واقد به.

([4])    أخرجه ابن أبي شيبة (11/94 ــ 95)، قال: حدثنا زيد بن الحباب، عن حسين بن واقد به.

([5])    أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (4/1828)، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا إسماعيل بن موسى السدي، ثنا أبو تميلة يحيى بن واضح، عن محمد بن إسحاق، عن بردة بن سفيان [والصحيح «بريدة» كما ذكر الحافظ في الإصابة، وكما هو مثبت في كتب الرجال، كتهذيب الكمال (4/56)] عن محمد بن كعب القرضي.

             وذكره الحافظ في الإصابة (4/264)، وقال: «وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده، وابن قانع، وابن مندة، من طريق ابن إسحاق، عن بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب القرظي، به.

             قلت: وسنده ضعيف لما يأتي:

             فيه ابن إسحاق، هو محمد بن إسحاق صاحب السيرة، وهو مدلس، وقد عنعن.

             وفيه بريدة، قال عنه البخاري: «فيه نظر».

             قال الذهبي في الموقظة (ص20): «إذا قال البخاري: فيه نظر؛ بمعنى أنه متهم أو ليس بثقة». وكذا قال ابن كثير قريبًا من ذلك في الباعث الحثيث (1/13).

             وقال النسائي: «ليس بالقوي في الحديث».

             وقال الجوزجاني: «رديء المذهب جدًّا، غير مقنع، مغموص عليه في دينه».

             وقال أبو أحمد بن عدي: «ليس له كبير رواية، ولم أر له شيئًا منكرًا».

             قال الدارقطني: «متروك».

             انظر: تهذيب الكمال (4/56)، موسوعة أقوال الدارقطني (1/147).

             ومحمد بن كعب لم يدرك الواقعة، حيث توفي سنة (117 أو 118 هــ)، عن ثمان وسبعين سنة، فيكون ولد سنة (40 أو 41 هــ)، وعثمان توفي سنة (35 هــ)، فهو لم يدرك هذه الحادثة التي وقعت في خلافة عثمان.

             وقال عنه الذهبي: «يرسل كثيرًا، ويروي عمن لم يلقهم». سير أعلام النبلاء (5/66)، وذكر الحافظ ابن حجر الحديث في الإصابة (4/313)، وقال: «وسنده ضعيف».