زهده وورعه:

قالَ  رضي الله عنه : «ما كانَ لَنا إِلّا إِهابُ كَبْشٍ، نَنامُ عَلى ناحيتِهِ، وَتَعْجِنُ فاطِمَةُ عَلى ناحيتِهِ»([1]).

وَعَنْهُ أيْضاً أنَّهُ قالَ: «ارْتَحَلَت الدُّنْيا مُدْبِرَةً، وارْتَحَلَت الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ واحِدَةٍ مِنْهُما بَنونَ، فَكونوا مِنْ أبْناءِ الآخِرَةِ، وَلا تَكونوا مِنْ أبْناءِ الدُّنْيا؛ فإنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ وَلا حِسابَ، وَغَداً حِسابٌ وَلا عَمَلَ»([2]).

وَعَنْ يَزيدَ بْنِ مِحْجَنٍ قالَ: كُنّا مَعَ عَلي وَهو بِالرَّحَبَةِ، فَدَعا بِسَيْفٍ فَسَلَّهُ فَقالَ: «مَنْ يَشْتَري سَيْفي هَذا؟ فَواللهِ لَوْ كانَ عِنْدي ثَمَنُ إِزارٍ ما بِعْتُهُ»([3]).

وَعاتَبَهُ رَجُلٌ مِن الخَوارِجِ في لَبوسِهِ فَقالَ: ما يَمْنَعُكَ أنْ تَلْبَسَ؟ قالَ: «ما لَكَ وَلِلَبوسي؟ إِنَّ لَبوسي هَذا أبْعَدُ مِنَ الكِبْرِ، وأجْدَرُ أنْ يَقْتَدي بي المُسْلِمُ»([4]).

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةٍ عَنْ أبي صالِحٍ قالَ: «دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ كُلْثومٍ بِنْتِ عَلي فإذا هي تَمْشُطُ في سِتْرٍ بَيْني وَبَيْنَها، فَجاءَ حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ فَدَخَلا عَلَيْها وَهي جالِسَةٌ تَمْتَشِطُ فَقالا: ألا تُطْعِمونَ أبا صالِحٍ شَيْئاً؟ قالَ: فأخْرَجوا لي قَصْعَةً فيها مَرَقٌ بِحُبوبٍ، قالَ: فقلْتُ: تُطْعِموني هَذا وأنْتُمْ أُمَراءُ؟ فَقالَتْ أُمُّ كُلْثومٍ: يا أبا صالِحٍ، كَيْفَ لَوْ رأيْتَ أميرَ المُؤْمِنينَ ــ يَعْني عَلياً ــ وأتي بِأُتْرُجٍّ، فَذَهَبَ حَسَنٌ يأخُذُ مِنْهُ أُتْرُجَّةً فَنَزَعَها مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ أمَرَ بِهِ فَقُسِمَ بَيْنَ النّاسِ»([5]).

وعَن الأعْمَشِ عَنْ رَجُلٍ «أنَّ عَلياً كانَ إِذا قَسَمَ ما في بَيْتِ المالِ نَضَحَهُ ثُمَّ صَلَّى فيهِ رَكْعَتَيْنِ»([6]).

وَطَلَبَ مُعاويةُ  رضي الله عنه مِنْ ضِرارِ بْنِ ضَمْرَةَ الكِناني أنْ يَصِفَ عَلياً  رضي الله عنه فَقالَ: «كانَ واللهِ بَعيدَ المَدَى، شَديدَ القوى، يَقولُ فَصْلاً، ويحكم عدلاً، يَتَفَجَّرُ العِلْمُ مِنْ جَوانِبِهِ، وَتَنْطِقُ الحِكْمَةُ مِنْ نَواحيهِ، يَسْتَوْحِشُ مِن الدُّنْيا وَزَهْرَتِها، وَيَسْتأنِسُ بِاللَّيْلِ وَوَحْشَتِهِ، وَكانَ غَزيرَ العَبْرَةِ، طَويلَ الفِكْرَةِ، يُعْجِبُهُ مِنَ اللِّباسِ ما قَصُرَ، وَمِنَ الطَّعامِ ما خَشُنَ. كانَ فينا كأحَدِنا يُجيبُنا إِذا سألْناهُ، وَيُنْبِئْنا إِذا اسْتَنْبأناهُ. وَنَحْنُ واللهِ مَعَ تَقْريبِهِ إيانا وَقُرْبِهِ مِنّا لا نَكادُ نُكَلِّمُهُ هَيْبَةً لَهُ. يُعَظِّمُ أهْلَ الدّينِ، وَيُحِبُّ المَساكينَ، لا يَطْمَعُ القَوي في باطِلِهِ، وَلا يَيْأسُ الضَّعيفُ مِنْ عَدْلِهِ. وأشْهَدُ أنَّهُ لَقَدْ رأيْتُهُ في بَعْضِ مَواقِفِهِ وَقَدْ أرْخَى اللَّيْلُ سُدولَهُ، وَغارَتْ نُجومُهُ، قابِضاً عَلَى لِحْيَتِهِ، يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّليمِ، وَيَبْكي بُكاءَ الحَزينِ، وَيَقولُ: يا دُنْيا، غُرّي غَيْري، إِلَيَّ تَعَرَّضْتِ؟! أمْ إِلَيَّ تَشَوَّفْتِ؟! هَيْهاتَ هَيْهاتَ، قَدْ بايَنْتُكِ ثَلاثاً لا رَجْعَةَ فيها، فَعُمْرُكِ قَصيرٌ، وَخَطَرُكِ قَليلٌ. آهٍ مِنْ قِلَّةِ الزّادِ، وَبُعْدِ السَّفَرِ، وَوَحْشَةِ الطَّريقِ»([7]).

وَعَن الحَسَنِ بْنِ صالِحٍ أنَّهُ قالَ: تَذاكَروا الزُّهّادَ عِنْدَ عُمَرَ ابْنِ عَبْدِالعَزيزِ، فَقالَ عُمَرُ: «أزْهَدُ النّاسِ في الدُّنْيا عَلي بْنُ أبي طالِبٍ»([8]).

وَعَن الحَسَنِ بْنِ عَلي أنَّهُ قالَ: «لَمْ يَتْرُكْ أبي إِلّا ثَمانَ مِئَةِ دِرْهَمٍ أوْ سَبْعَ مِئَةٍ فَضُلَتْ مِنْ عَطائِهِ كانَ يَعُدُّها لِخادِمٍ يِشْتَريها لِأهْلِهِ»([9]).

وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ زُرَيْرٍ أنَّهُ قالَ: دَخَلْنا عَلَى عَلي بْنِ أبي طالِبٍ  رضي الله عنه يَوْمَ أضْحَى فَقدم إِلَيْنا خَزيرَةً، فَقُلْنا: يا أميرَ المُؤْمِنينَ، لَوْ قَدَّمْتَ إِلَيْنا مِنْ هَذا البَطِّ والوَزِّ والخَيْرِ الكَثيرِ. فَقالَ: يا ابْنَ زُرَيْرٍ، إِنّي سَمِعْتُ رَسولَ الله  يَقولُ: «لا يَحِلُّ لِلْخَليفَةِ مِنْ مالِ الله إِلّا قَصْعَتان: قَصْعَةٌ يأكُلُها هو وأهْلُهُ، وَقَصْعَةٌ يُطْعِمُها»([10]).

 

([1])       أَخْرَجَهُ أحْمَدُ في «الزُّهْدِ» (ص28).

([2])      أَخْرَجَهُ البُخاري مُعَلَّقاً، كِتاب الرِّقاقِ، بَابٌ في الأَمَلِ وَطولِهِ.

([3])      أَخْرَجَهُ أحْمَدُ في «الزُّهْدِ» (ص131).

([4])      أَخْرَجَهُ أحْمَدُ في «الزُّهْدِ» (ص132)، وَابْنُهُ عَبْدُالله في زوائِدِ المُسْنَدِ (1/91).

([5])      أَخْرَجَهُ أحْمَدُ في «فَضائِلِ الصَّحابَةِ» (1/540)، وابْنُ أَبي شَيْبَةَ في «المُصَنَّفِ» (12/320).

([6])      أَخْرَجَهُ أحْمَدُ في «فَضائِلِ الصَّحابَةِ» (1/546)، وأبو نُعَيْمٍ في «الحِلْيَةِ» (7/300).

([7])       أَخْرَجَهُ أبو نُعَيْمٍ في «الحِلْيَةِ» (1/84)، وابْنُ عَبْدِالبَرِّ في «الاسْتيعاب» (1/341) واللَّفْظُ لَهُ.

([8])      البدايَةُ والنِّهايَةُ (8/5)، الكامِلُ في التّاريخِ (2/106)، سيرُ أَعْلام النبَلاءِ (11/109).

([9])      الاسْتيعابُ (1/342).

([10])    أَخْرَجَهُ أحْمَدُ (1/78)، وابْنُ أَبي الدُّنْيا في «الوَرَعِ» (ص89)، وَصَحَّحَهُ الأَلبْاني في «السِّلْسِلَةِ الصَّحيحَةِ» (362).