شجاعته:

عَنْ عليٍّ  رضي الله عنه قالَ: «تَقَدَّمَ ــ يَعْني عُتْبَةَ بْنَ رَبيعَةَ ــ وَتَبِعَهُ ابْنُهُ وأخوهُ فَنادَى: مَنْ يُبارِزُ؟ فانْتَدَبَ لَهُ شَبابٌ مِنَ الأنْصارِ فَقالَ: مَنْ أنْتُمْ؟ فأخْبَروهُ فَقالَ: لا حاجَةَ لَنا فيكُمْ، إِنَّما أرَدْنا بَني عَمِّنا. فَقالَ رَسولُ الله : «قُمْ يا حَمْزَةُ، قُمْ يا عَلي، قُمْ يا عُبَيْدَةُ بْنُ الحارِثِ». فأقْبَلَ حَمْزَةُ إِلَى عُتْبَةَ، وأقْبَلْتُ إِلَى شَيْبَةَ، واخْتُلِفَ بَيْنَ عُبَيْدَةَ والوَليدِ ضَرْبَتانِ فأثْخَنَ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُما صاحِبَهُ، ثُمَّ مِلْنا عَلَى الوَليدِ فَقَتَلْناهُ واحْتَمَلْنا عُبَيْدَةَ»([1]).

وَيَقولُ قَيْسُ بْنُ عُبادَةَ  رضي الله عنه: «سَمِعْتُ أبا ذَرٍّ يُقْسِمُ قَسَماً إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ [الحج: 19] نَزَلَتْ في الَّذينَ بَرَزوا يَوْمَ بَدْرٍ: حَمْزَةَ وَعَلي وَعُبَيْدَةَ بْنِ الحارِثِ، وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبيعَةَ والوَليدِ بْنِ عُتْبَةَ»([2]).

وَقالَ  رضي الله عنه أيْضاً: قالَ عَلي: «فينا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ »([3]).

قالَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله: «وَفيهِ فَضيلَةٌ ظاهِرَةٌ لِحَمْزَةَ وَعَلي وَعُبَيْدَةَ بْنِ الحارِثِ  رضي الله عنهم»([4]).

وَلَمّا كانَ يَوْمُ الخَنْدَقِ خَرَجَ عَمْرو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ وَهو فارِسُ قُرَيْشٍ وَقَدْ جَعَلَ لَهُ عَلامَةً، فَقالَ لَهُ عَلي  رضي الله عنه: «يا عَمْرو، قَدْ كُنْتَ تُعاهِدُ اللهَ لِقُرَيْشٍ ألّا يَدْعو رَجُلٌ إِلَى خَلَّتَيْنِ إِلّا قَبِلْتَ مِنْهُ أحَدَهُما». فَقالَ عَمْرٌو: أجَلْ. فَقالَ لَهُ عَلي  رضي الله عنه: «فإنّي أدْعوكَ إِلَى الله عز وجل وإلَى رَسولِهِ  والإِسْلامِ».

فَقالَ: لا حاجَةَ لي في ذَلِكَ. قالَ: «فإنّي أدْعوكَ إِلَى البَرازِ». قالَ: يا ابْنَ أخي، لِمَ؟ فَواللهِ ما أُحِبُّ أنْ أقَتُلَكَ. فَقالَ عَلي: «لَكِنّي أُحِبُّ أنْ أقَتُلَكَ». فَحَمي عَمْرٌو، فاقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ فَعَقَرَهُ، ثُمَّ أقْبَلَ فَجاءَ إِلَى عَلي، وَقالَ: مَنْ يُبارِزُ؟ ثُمَّ أنْشَدَ أبْياتاً قالَ فيها:

ولَقَدْ بَحَحْتُ مِن النِّداءِ          بِجَمْعِكُمْ هَلْ مِنْ مُبارز

وَوَقفْتُ إِذْ جَبُنَ المُشَجّعُ     مَوقفَ الرَّجُلِ المُناجِز

وَكَذلِــكَ أنّــي لــمْ أزَلْ           مُتَسرِّعاً نَحْوَ الهَزاهِز

إنَّ السَّماحَةَ والشَّجاعَةَ       في الفَتى خُيْرُ الغَرائِز

فَقامَ عَليٌّ  رضي الله عنه وَهو مُقَنَّعٌ في الحَديدِ.. فَمَشَى إِلَيْهِ وَقالَ:

لا تَعْجَلَنَّ فَقَدْ أتاكَ   مُجيبُ صَوْتِكَ غَيْرُ عاجِز

ذو نيةٍ وَبَصيرَةٍ             والصِّدْقُ مَنْجا كُلِّ فائِز

إِنّي لأرْجو أنْ أُقيمَ              عَلَيْكَ نائِحَةَ الجنائِز

مِنْ ضَرْبَةٍ نَجلاءَ يَبْقى       ذِكْرُها عِنْدَ الهَزاهِز

واسْتَقْبَلَهُ عَلي  رضي الله عنه بِدَرَقَتِهِ فَضَرَبَهُ عَمْرو في الدَّرَقَةِ فَقَدَّها، وأثْبَتَ فيها السَّيْفَ وأصابَ رأسَهُ فَشَجَّهُ، وَضَرَبَهُ عَلي  رضي الله عنه عَلَى حَبْلِ العاتِقِ، فَسَقَطَ وَثارَ العَجاجُ، فَسَمِعَ رَسولُ الله  التَّكْبيرَ، فَعَرَفَ أنَّ عَلياً قَتَلَهُ([5]).

وَلَمّا كانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أعْطَى النبي ﷺ الرّايَةَ لِعَلَيٍّ  رضي الله عنه، وَخَرَجَ رَجُلٌ مِن الكُفّارِ يُقالُ لَهُ: مَرْحَبٌ، فَقالَ:

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أنّي مَرْحَبُ                                                       

شاكي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ

إِذا الحُروبُ أقْبَلَتْ تَلَهَّبُ

 

فَقالَ عَلي  رضي الله عنه:

أنا الَّذي سَمَّتْني أُمّي حَيْدَرَهْ([6])

                  كَلَيْثِ غاباتٍ كَريهِ المنْظَرَهْ

أوفيهِمُ بِالصّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ

 

فَضَرَبَ رأسَ مَرْحَبٍ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ كانَ الفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ([7]).

 

([1])       أَخْرَجَهُ أحْمَدُ (1/117)، وأبو داوُدَ (2665)، وَصَحَّحَهُ الأَلبْاني في «صَحيحِ سُنَنِ أَبي داوُدَ».

([2])      أَخْرَجَهُ البُخاري (3751)، وَمُسْلِمٌ (3033).

([3])      أَخْرَجَهُ البُخاري (3749).

([4])      (7/298).

([5])      أَخْرَجَهُ الحاكِمُ في«المُسْتَدْرَكِ» (3/34).

([6])      قيلَ: لِأَنَّ أُمَّهُ سَمَّتْهُ أَسَداً بِاسْمِ أَبيهَا، وَحَيْدَرُ مِنْ أَسْماءِ الأَسَدِ، ثُمَّ غَيَّرَ أبوهُ أبو طالِبٍ اسْمَهُ إِلى عَلي.

([7])       أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1807) مِنْ حَديثِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ  رضي الله عنه.