شجاعته وجهاده معاوية رضي الله عنه
16-02-2023
شجاعته وجهاده:
تقدم وصف ابن الزبير بأن الليث الحرب ليس بأجرأ من معاوية.
وقد شهد معاوية مع النبي ﷺ حنينًا والطائف، وشهد غزوة تبوك، وهي العُسرة.
وفي أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه شهد حرب المرتدين في اليمامة.
ثم جمع أبوبكر أناسًا ووجههم إلى الشام، وأمَّر عليهم معاوية، وأمَرهم باللحاق بيزيد بن أبي سفيان، وهي أول مهمة قيادية يتولاها معاوية.
ثم صحب أخاه يزيد أمير الشام في فتوحها، وشهد اليرموك، وفتح دمشق تحت راية يزيد.
وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل يزيد حملةً بإمرة أخيه معاوية إلى سواحل بلاد الشام فافتتحها.
وكان معاوية من الجيش الذي فتح بيت المقدس، ودخل المسجد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان أحد أربعة شهدوا على العهد العمري الشهير.
وفي سنة تسع عشرة زمن عمر كان معاوية قائد فتح قيسارية، من المعارك الفاصلة مع الروم، وكان فيها بطارقتهم، وقد حاصرها معاوية حصارًا شديدًا، وأبلى فيها بلاءً كبيرًا، فعن عبد الله بن العلاء، قال: ثغر المسلمون من حائط قيسارية فلسطين ثغرة؛ فتحاماها الناس، فكتب عمر رضي الله عنه إلى معاوية رضي الله عنه بتوليه قتالها، فتناول اللواء وأنهض الناس وتبعوه، فركز لواءه في الثغرة فقال: أنا ابن عنبسة. يريد الأسد([1]).
وتولى معاوية إمارة دمشق في عهد عمر بعد وفاة يزيد في طاعون عَمواس سنة (18هــ)، ثم تفرد بإمرة الشام آخر عهد عمر، وقام على ثغورها، وفتح عسقلان، وتتبع ما بقي من فلسطين، وكان قد استأذن عمر في بناء قوة بحرية لمحاربة الروم فلم يأذن له، وذلك بعد أن استشار عمرو بن العاص، ثم توفي عمر وهو عن معاوية راض، فأقره عثمان بن عفان على إمرة الشام كلها.
وكان معاوية يغزو الروم، وكان على رأس صائفة، واستطاع أن يصل إلى عمورية([2])، ومعه عدد من الصحابة، منهم: عبادة بن الصامت، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو ذر الغفاري، وأبو الدرداء، وشدَّاد بن أوس، وأعاد معاوية طلب بناء قوة بحرية للمسلمين، فوافق عثمان بعد تردد، فبنى أسطولا، وغزا بنفسه جزيرة قبرص سنة خمس وعشرين([3]).
وجاء حديث في فضل أول من يغزو البحر من الأمة كما تقدم، وهو أمير تلك الغزوة، ومعه عدد من الصحابة، وقام بتحصين أسوار سواحل الشام عند ذهابه إلى قبرص، مثل عكا وصور، وأنشأ حصونا وشحنها بالجند([4]). ثم أعاد فتح قبرص سنة (33هــ) عندما نقض أهلها العهد.
قال سعيد: فأغزا معاوية الصوائف وشتاهم بأرض الروم؛ ست عشرة صائفة تصيف بها وتشتو، ثم تقفل وتدخل معقبتها، ثم أغزاهم معاوية ابنه يزيد في سنة ثنتين وخمسين في جماعة من أصحاب رسول الله ﷺ في البر والبحر؛ حتى أجاز بهم الخليج، وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها، ثم قفل([5]).
عن صفوان بن عمرو، وسعيد بن عبد العزيز: أن الروم صالحت معاوية على أن يؤدي إليهم مالًا، وارْتَهَنَ معاوية منهم رهنًا، فجعلهم بِبَعَلْبَك، ثم إن الروم غَدَرتْ، فأبى معاوية والمسلمون أن يَسْتَحِلّوا قتلَ مَنْ في أيديهم من رهنهم، وخلوا سبيلهم، واستفتحوا بذلك عليهم، وقالوا: وفاء بغدر خير من غدر بغدر. قال هشام بن عمار: وهو قول العلماء الأوزاعي وغيره([6]).
ثم عادت الفتوحات واتسعت أيام خلافة معاوية، وأرسل لحصار القسطنطينية، ثم جدد حصارها ولمدة أربع سنوات من سنة (53هــ) إلى (57هــ)، وغزا جزر صقلية، ورودس.
([1]) انظر: الأموال لأبي عبيد (279)، فروى ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/381)، وسنده صحيح.
([2]) هي أنقرة عاصمة تركيا اليوم.
([3]) تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1/184، 186) وصححه.
([4]) فتوح البلدان للبلاذري (ص140، 152، 158).
([5]) أخرجه أبوزرعة في تاريخه (1/188)، ومن طريقه ابن عساكر (59/159)، بسند رجاله ثقات أثبات.
([6]) أخرجه أبوعبيد في كتاب الأموال (446)، والبلاذري فتوح البلدان (ص188)، ورجاله ثقات.