شجاعته:

عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قالَ: «سألتُ عَبْداللهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ أشَدِّ ما صَنَعَ المُشْرِكونَ بِرَسولِ الله . قالَ: رأيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أبي مُعَيْطٍ جاءَ إِلَى النبي ﷺ وَهو يُصَلّي، فَوَضَعَ رِداءَهُ في عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقاً شَديداً، فَجاءَ أبو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ فَقالَ: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ﴾ [غافر: 28]»([1]).

وَقالَ عَليٌّ  رضي الله عنه: «لَمّا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ جَعَلْنا لِرَسولِ الله ﷺ عَريشاً، فَقُلْنا: مَنْ يَكونُ مَعَ رَسولِ الله ﷺ لِئَلّا يَهْوي إِلَيْهِ أحَدٌ مِنَ المُشْرِكينَ؟ فَواللهِ ما دَنا مِنْهُ إِلّا أبو بَكْرٍ شاهِراً بِالسَّيْفِ عَلَى رأسِ رَسولِ الله ، لا يَهْوي إِلَيْهِ أحَدٌ إِلّا أهْوَى عَلَيْهِ، فَهَذا أشْجَعُ النّاسِ»([2]).

وَظَهَرَتْ شَجاعَتُهُ كَذَلِكَ بَعْدَ وَفاةِ النبي ﷺ حينَ اضْطَرَبَ الأمْرُ، واخْتَلَفَ النّاسُ، وَغابَ عَنْهُمْ قَوْلُ الله تَبارَكَ وَتَعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ﴾  [آل عمران: 144].

يَقولُ القُرْطُبي رحمه الله: «هَذِهِ الآيَةُ أدَلُّ دَليلٍ عَلى شَجاعَةِ الصِّدّيقِ وَجُرْأتِهِ؛ فإنَّ الشَّجاعَةَ والجُرْأةَ حَدُّهُما ثُبوتُ القَلْبِ عِنْدَ حُلولِ المَصائِبِ، وَلا مُصيبَةَ أعْظَمُ مِنْ مَوْتِ النَّبي .. فَظَهَرَتْ عِنْدَهُ شَجاعَتُهُ وَعِلْمُهُ»([3]).

وَقاتَلَ  رضي الله عنه المُرْتَدّينَ، وأصَرَّ عَلى قِتالِهِمْ.

وَمِنْ ذَلِكَ أيْضاً: ثَباتُهُ  رضي الله عنه يَوْمَ أُحُدٍ وَحُنَيْنٍ حينَ انْهَزَمَ المُسْلِمونَ، فَكانَ مِمَّنْ ثَبَتَ مَعَ النَّبي .

يَقولُ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْنُ تَيْميةَ رحمه الله: «المَذْكورُ في السّيرِ والمَغازي أنَّ أبا بَكْرٍ وَعُمَرَ ثَبَتا مَعَ النبي ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ، وَلَمْ يَنْهَزِما مَعَ مَن انْهَزَمَ»([4]).

 

([1])       أَخْرَجَهُ البُخاري (3475).

([2])      أَخْرَجَهُ البَزَّارُ (3/15).

([3])      تَفْسيرُ القُرْطِبي (4/222).

([4])      مِنْهاجُ السُّنَّةِ (8/91).