الحَمْدُ لله رَبِّ العالَمينَ، الرَّحْمنِ الرَّحيمِ، مالكِ يَوْمِ الدّينِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى المَبْعوثِ رَحْمَةً لِلْعالَمينَ، نَبينا مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعينَ. أمّا بَعْدُ،

فَقَدْ كَثُرَ الحَديثُ في الأحْداثِ الَّتي وَقَعَتْ بُعَيْدَ وَفاةِ النَّبي ، وَما حَدَثَ في سَقيفَةِ بَني ساعِدَةَ، وَهَلْ بايَعَ عَلي أبا بَكْرٍ كَما بايَعَ غَيْرُهُ مِن الصَّحابَةِ؟ وَهَلْ كانَ يَرى أنَّهُ أوْلَى بِالخِلافَةِ مِنْ غَيْرِهِ؟ وَهَلْ غَضِبَتْ فاطِمَةُ عَلى أبي بَكْرٍ لَمّا لَمْ يُعْطِها ما طالَبَتْ بِهِ مِنْ ميراثِها مِن النَّبي ؟ وأسْئِلَةٌ أُخْرَى قَريبَةٌ مِنْها.

وَقَدْ خاضَ الكَثيِرونَ ــ مِمَّنْ لا خَلاقَ لَهُمْ وَمِمَّنْ سَوَّلَتْ لَهُمْ أنْفُسُهُمْ الأمّارَةُ بِالسّوءِ ــ في أعْراضِ أصْحابِ رَسولِ الله ﷺ واتَّهَموهُمْ بِأبْشَعِ التُّهَمِ، وَنَسَبوا لَهُمْ الباطِلَ والزّورَ وَبَهَتوهُمْ بِما هُمْ مِنْهُ بَراءٌ، وادَّعَوْا ظُلْماً وَزوراً أنَّ أصْحابَ النبي ﷺ كانوا طُلّابَ دُنْيا، باعوا دينَهُمْ بِعَرَضٍ مِنْها بَعْدَ وَفاةِ النَّبي ، وَهَذا لا يَقولُهُ إِلّا مَنْ لا خَلاقَ لَهُ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفْ لَهُمْ قَدْرَهُمْ عِنْدَ الله عز وجل وَلا عِنْدَ رَسولِهِ ، فَهُم الَّذينَ بَذَلوا الغالي والنَّفيسَ، وبَذَلوا أرْواحَهُمْ وَمُهَجَهُمْ في سَبيلِ الله وَهُمْ مَنْ باعَ الدُّنْيا وَرَضي مَكانَها الآخِرَةَ، وَواللهِ لَقَدْ رَبِحَ بَيْعُهُمْ، وَصَدَقَتْ نياتُهُمْ، وَعَظُمَ بَذْلُهُمْ، وَطابَ ثَمَرُهُمْ، فَـلله دَرُّهُمْ مِنْ أصْحابٍ ما حَظي بِمِثْلِهِمْ نَبي مِن الأنْبياءِ السّابِقينَ، وَصَدَقَ فيهِمْ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَاءَ مَرْضَاةِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ﴾ [البقرة: 207].

فَهُم الَّذينَ ماتَ رَسولُ الله وَهو قَريرُ العَيْنِ عَنْهُمْ راضٍ، وأخُصُّ مِنْهُم الأرْبَعَةَ الخُلَفاءَ السّادَةَ النُّجَباءَ الأتْقياءَ الأنْقياءَ الأصْفياءَ.

وَقَدْ رأيْتُ أنَّهُ مِن المُناسِبِ أنْ أدْرُسَ حَديثَ عائِشَةَ الَّذي ذُكِرَ فيهِ تأخُّرُ عَلي عَن البَيْعَةِ وَغَضَبُ فاطِمَةَ عَلى أبي بَكْرٍ وَغَيْرِها مِن الأحْداثِ دِراسَةً حَديثيةً عَلى طَريقَةِ السّادَةِ المُحَدِّثينَ مِن السَّلَفِ الصّالِحِ رحمهم اللهُ؛ رَجاءَ أنْ أُحْشَرَ مَعَهُمْ مِن المُحِبّينَ لِسُنَّةِ نَبينا مُحَمَّدٍ  المُنافِحينَ عَنْها.

وَقَد اجْتَهَدْتُ في جَمْعِ طُرُقِ هَذا الحَديثِ مِن مَظانِّها، وَدَرَسْتُ أسانيدِها، وَحَكَمْتُ عَلَيْها بِما يُناسِبُها، وَتَرَكْتُ الرِّواياتِ المُخْتَصَرَةَ لِعَدَمِ الحاجَةِ لَها، وَقَدْ خَرَجْتُ بِنَتيجَةٍ ذَكَرْتُها في آخِرِ الكِتابِ، فإنْ أكُنْ وُفِّقْتُ فَذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتيهِ مَنْ يَشاءُ والله ذو الفَضْلِ العَظيمِ، وإنْ أكُنْ أخْطأتُ فإنّي أسْتَغْفِرُ اللهَ وأتوبُ إِلَيْهِ.

وقَدْ قَسَمتُ البَحْثَ إلى قِسْمَيْنِ:

الأوَّلُ: في تَرْجَمَةٍ لأبي بَكْرٍ وعَليٍّ وعائِشةَ وفاطِمةَ  رضي الله عنهم.

الثّاني: في دِراسَةِ حَديثِ عائِشةَ وقصَّةِ فَدَك.

وَلا يَفوتُني أنْ أتَقَدَّمَ بِالشُّكْرِ لِكُلِّ مَنْ ساهَمَ في إِخْراجِ هَذا الكِتابِ، وأسْألُ اللهَ أنْ يُجْزِلَ لَهُم العَطاءَ، وأنْ يُثيبَهُمْ خَيْرَ الثَّوابِ، وآخِرُ دَعْوانا أن الحَمْدُ لله رَبِّ العالَمينَ.

كتبه عثمان بن محمد الخميس